الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          820 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والحج لا يجوز إلا مرة في السنة ; وأما العمرة فنحب الإكثار منها لما ذكرنا من فضلها ; فأما الحج فلا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                          وأما العمرة فإننا روينا من طريق مجاهد قال علي بن أبي طالب : في كل شهر عمرة .

                                                                                                                                                                                          وعن القاسم بن محمد أنه كره عمرتين في شهر واحد .

                                                                                                                                                                                          وعن عائشة أم المؤمنين أنها اعتمرت ثلاث مرات في عام واحد .

                                                                                                                                                                                          وعن سعيد بن جبير ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي : كراهة العمرة أكثر من مرة في السنة ; وهو قول مالك .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن طاوس : إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت .

                                                                                                                                                                                          وعن عكرمة : اعتمر متى أمكنك الموسى .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء إجازة العمرة مرتين في الشهر .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن عمر : أنه اعتمر مرتين في عام واحد مرة في رجب ، ومرة في شوال .

                                                                                                                                                                                          وعن أنس بن مالك : أنه أقام مدة بمكة فكلما جم رأسه خرج فاعتمر - وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأبي سليمان ، وبه نأخذ لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر عائشة [ ص: 51 ] مرتين في الشهر الواحد } ولم يكره عليه السلام ذلك بل حض عليها وأخبر أنها تكفر ما بينها ، وبين العمرة الثانية ، فالإكثار منها أفضل - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          واحتج من كره ذلك : بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عام إلا مرة واحدة ؟ قلنا : لا حجة في هذا ; لأنه إنما يكره ما حض على تركه وهو عليه السلام لم يحج مذ هاجر إلا حجة واحدة ولا اعتمر مذ هاجر إلا ثلاث عمر فيلزمكم أن تكرهوا الحج إلا مرة في العمر ، وأن تكرهوا العمرة إلا ثلاث مرات في الدهر ، وهذا خلاف قولكم ; وقد صح أنه كان عليه السلام يترك العمل هو يحب أن يعمل به مخافة أن يشق على أمته أو أن يفرض عليهم .

                                                                                                                                                                                          والعجب أنهم يستحبون أن يصوم المرء أكثر من نصف الدهر ، وأن يقوم أكثر من ثلث الليل ; وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم قط - شهرا كاملا ، ولا أكثر من نصف الدهر ، ولا قام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ، ولا أكثر من ثلث الليل ، فلم يروا فعله عليه السلام هاهنا حجة في كراهة ما زاد على صحة نهيه عن الزيادة في الصوم ومقدار ما يقام من الليل على أكثر من ذلك .

                                                                                                                                                                                          وجعلوا فعله عليه السلام في أنه لم يعتمر في العام إلا مرة مع حضه على العمرة والإكثار منها حجة في كراهة الزيادة على عمرة من العام وهذا عجب جدا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية