الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          833 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وأما من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات كما ذكرنا فلا يخلو من أن يكون معه هدي ، أو ليس معه هدي ، والهدي إما من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، فإن كان لا هدي معه - وهذا هو الأفضل - ففرض عليه أن يحرم بعمرة مفردة ولا بد لا [ ص: 88 ] يجوز له غير ذلك ; فإن أحرم بحج ; أو بقران حج وعمرة ففرض عليه أن يفسخ إهلاله ذلك بعمرة يحل إذا أتمها ، لا يجزئه غير ذلك ; ثم إذا أحل منها ابتدأ الإهلال بالحج مفردا من مكة وهذا يسمى : متمتعا .

                                                                                                                                                                                          وإن كان معه هدي ساقه مع نفسه فنستحب له أن يشعر هديه إن كان من الإبل ، وهو أن يضربه بحديدة في الجانب الأيمن من جسده حتى يدميه ثم يقلده ، وهو أن يربط نعلا في حبل ويعلقها في عنق الهدي وإن جلله بجل فحسن ، فإن كان الهدي من الغنم فلا إشعار فيه لكن يقلده رقعة جلد في عنقه ; فإن كان من البقر فلا إشعار فيه ولا تقليد كانت له أسنمة أو لم تكن .

                                                                                                                                                                                          ثم يقول : لبيك بعمرة وحج معا ، لا يجزئه إلا ذلك ولا بد ; وإن قال : لبيك بحج وعمرة ; أو لبيك عمرة وحجا ، أو حجة وعمرة ; أو نوى كل ذلك في نفسه ، ولم ينطق به فكل ذلك جائز ; وهذا يسمى : القران .

                                                                                                                                                                                          ومن ساق من المعتمرين الهدي فعل فيه من الإشعار ، والتقليد ما ذكرنا ; ونحب له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله : اللهم إن محلي حيث تحبسني ، فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل ولا شيء عليه ; لا هدي ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته .

                                                                                                                                                                                          برهان ما ذكرنا - : ما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أراد منكم أن يهل بحج ، أو عمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ، قالت عائشة : فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج ، وأهل به ناس معه وأهل ناس بالحج والعمرة ; وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بالعمرة } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهذا أول أمره عليه السلام بذي الحليفة عند ابتداء إحرامهم وإرادتهم الإهلال بلا شك ، إذ هو نص الحديث - : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد [ ص: 89 ] نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين - نا موسى بن نافع قال : ( قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس : تصير حجتك الآن مكية ) فدخلت على عطاء بن أبي رباح فقال : حدثني جابر بن عبد الله أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى مسلم نا إسحاق هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه أخبره عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم فقال { : حتى إذا كان آخر طواف على المروة ، قال عليه السلام : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين ، لا بل لأبد أبد } . نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا موسى بن إسماعيل نا وهيب هو ابن خالد - نا أيوب هو السختياني - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة - الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى الصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج } .

                                                                                                                                                                                          نا حمام بن أحمد نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا مالك ، ومعمر عن [ ص: 90 ] الزهري عن عروة عن عائشة قالت : { خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى يحل منهما جميعا } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ففي هذه الأحاديث الثابتة برهان كل ما قلنا ولله تعالى الحمد وهي أربعة أحاديث - : ففي الأول الذي من طريق جابر أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بحج مفرد ولا هدي معه بأن يحل بعمرة ولا بد ، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير متمتعا .

                                                                                                                                                                                          وفي الحديث الثالث الذي من طريق أنس أمره صلى الله عليه وسلم من أهل بحج وعمرة قارنا ولا هدي معه أن يهل بعمرة ولا بد ; ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير أيضا متمتعا .

                                                                                                                                                                                          وفي الحديث الثاني الذي من طريق جابر أمره صلى الله عليه وسلم كل من لا هدي معه عموما بأن يحل بعمرة ، وأن هذا هو آخر أمره على الصفا بمكة ; وأنه عليه السلام أخبر بأن التمتع أفضل من سوق الهدي معه ، وتأسف إذ لم يفعل ذلك هو ، وأن هذا الحكم ( هو ) باق إلى يوم القيامة ، وما كان هكذا فقد أمنا أن ينسخ أبدا ; ومن أجاز نسخ ما هذه صفته فقد أجاز الكذب على خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تعمده كفر مجرد ; وفيه أن العمرة قد دخلت في الحج - وهذا هو قولنا لأن الحج لا يجوز إلا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا أو بعمرة مقرونة معه ولا مزيد .

                                                                                                                                                                                          وفي الحديث الرابع الذي من طريق عائشة أم المؤمنين أمره صلى الله عليه وسلم من معه هدي أن يقرن بين الحج ، والعمرة - : وبه يقول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وإسحاق بن راهويه ، وغيره - : نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل نا أحمد بن صالح نا عنبسة حدثني يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن كريب أنه [ ص: 91 ] حدثه عن ابن عباس أنه كان يقول : ما طاف رجل بالبيت إن كان حاجا إلا حل بعمرة إذا لم يكن معه هدي ، ولا طاف ومعه هدي إلا اجتمعت له : حجة ، وعمرة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق هو ابن راهويه - أنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني عطاء قال : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل .

                                                                                                                                                                                          فقلت لعطاء : من أين تقول ذلك ؟ قال : من قول الله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } .

                                                                                                                                                                                          قلت : فإن ذلك بعد المعرف ؟ قال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله .

                                                                                                                                                                                          وكان يأخذ ذلك من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع - ومن طريق عطاء ، ومجاهد : أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي - ومن طريق طاوس عن ابن عباس : والله ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة إلا رجل اعتمر في وسط السنة - : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان هو الثوري - عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال { : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل سقت من هدي ؟ قلت : لا ، قال : طفبالبيت وبالصفا والمروة ثم حل ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي } فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر ، وإمارة عمر ; فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ؟ قلت : يا أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا به ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ما ( هذا ) الذي أحدثت في شأن النسك ؟ قال : إن نأخذ بكتاب الله تعالى فإن الله تعالى قال : { وأتموا الحج والعمرة لله } وإن نأخذ بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحل حتى نحر الهدي .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا أبو موسى قد أفتى بما قلنا مدة إمارة أبي بكر وصدرا من إمارة [ ص: 92 ] عمر رضي الله عنهما ، وليس توقفه لما شاء الله تعالى أن يتوقف له حجة على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وحسبنا قوله لعمر ما الذي أحدثت في شأن النسك ؟ فلم ينكر ذلك عمر .

                                                                                                                                                                                          وأما قول عمر رضي الله عنه فيقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فلا إتمام لهما إلا علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وهو الذي أنزلت عليه هذه الآية ، وأمر ببيان ما أنزل عليه من ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما كونه عليه السلام لم يحل حتى نحر الهدي فإن أم المؤمنين ابنته حفصة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان فعله كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن { حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا علي كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح الأشعري نا يحيى بن معين نا حجاج يعني ابن محمد الأعور - نا يونس يعني أبا إسحاق السبيعي - عن أبيه عن البراء هو ابن عازب - عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إني سقت الهدي وقرنت ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ، ولكني سقت الهدي وقرنت } .

                                                                                                                                                                                          فهذا أولى أن يتبع من رأي رآه عمر قد صح عنه رجوعه عنه ; وقد خالفوه فيه أيضا كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في كتاب علي بن أبي طالب : من شاء أن يجمع بين الحج والعمرة فليسق هديه معه - : نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور هو ابن المعتمر - قال : حج الحسن البصري وحججت معه في ذلك العام فلما قدمنا مكة جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد إني رجل بعيد الشقة من أهل خراسان وإني قدمت مهلا بالحج ؟ فقال له الحسن : اجعلها عمرة وأحل فأنكر ذلك الناس على الحسن وشاع قوله بمكة فأتى عطاء بن أبي رباح فذكر ذلك له فقال : صدق الشيخ ، ولكنا نفرق أن نتكلم بذلك قال أبو محمد : ليس إنكار أهل الجهل حجة على سنن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن طريق [ ص: 93 ] عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : من أهل من خلق الله تعالى ممن له متعة بالحج خالصا أو بحجة وعمرة فهي متعة سنة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه سأل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخلت العمرة في الحج ؟ } فقال : هو الرجل يفرد الحج ويذبح فقد دخلت له عمرة في الحج فوجبتا له جميعا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق نا عمر بن ذر : أنه سمع مجاهدا يقول : من جاء حاجا فأهدى هديا فله عمرة مع حجة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير نا خصيف عن عطاء ومجاهد أن ابن عباس كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدي قال خصيف : وكنت مع مجاهد فأتاه الضحاك بن سليم وقد خرج حاجا فسأل مجاهدا ؟ فقال له مجاهد : اجعلها عمرة ، فقال : هذا أول ما حججت فلا تشايعني نفسي فأي ذلك ترى أتم ؟ أن أمكث كما أنا أو أجعلها عمرة ؟ قال خصيف : فقلت له : أظن هذا أتم لحجك أن تمكث كما أنت ؟ فرفع مجاهد تبنة من الأرض وقال : ما هو بأتم من هذا ، وهو قول إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                                          وقال عبيد الله بن الحسن القاضي ، وأحمد بن حنبل بإباحة فسخ الحج لا بإيجابه - ومنع منه أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          قال علي : روى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا هدي له أن يفسخ حجه بعمرة ويحل بأوكد أمر جابر بن عبد الله ، وعائشة أم المؤمنين ، وحفصة أم المؤمنين ( كذلك ) ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس وابن عباس ، وابن عمر ، وسبرة بن معبد ، والبراء بن عازب ، وسراقة بن مالك ، ومعقل بن يسار خمسة عشر من الصحابة رضي الله عنهم ; ورواه عن هؤلاء نيف وعشرون من التابعين ; ورواه عن هؤلاء من لا يحصيه إلا الله عز وجل ، فلم يسع أحدا الخروج عن هذا .

                                                                                                                                                                                          واحتج من خالف كل هذا باعتراضات لا حجة لهم في شيء منها ; منها أنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ; ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بعمرة [ ص: 94 ] فحل ، وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر } .

                                                                                                                                                                                          وبخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة ، وقد ذكر له عن رجل ذكر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف بالبيت وحل } فقال عروة عن عائشة في حديث : قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف ( بالبيت ) ، ثم لم يكن غيره ، ثم معاوية ، وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع الزبير أبي فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم يكن غيره ولا أحد ممن مضى ( ما ) كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي ، وخالتي تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلوا ، وقد كذب فيما ذكر من ذلك " .

                                                                                                                                                                                          وبخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بشير العبدي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة قالت : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج ثم ذكرت أن من كان منهم أهل بحج مفرد ، أو بعمرة وحج فلم يحلل حتى قضى مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل حتى يستقبل حجا " .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها منكران ، وخطأ عند أهل العلم بالحديث .

                                                                                                                                                                                          نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا عبيد الله بن محمد السقطي نا أحمد بن جعفر نا محمد بن مسلم الختلي نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السداني نا أحمد بن محمد الأثرم نا أحمد بن حنبل فذكر حديث مالك عن أبي الأسود الذي ذكرنا آنفا فقال أحمد : إيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، قال الأثرم : فقلت له : الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه ؟ قال أحمد : نعم ، وهشام بن عروة . [ ص: 95 ] قال أبو محمد : ولأبي الأسود المذكور حديث آخر في هذا الباب لا خفاء بفساده ، وهو خبر رويناه من طريق البخاري نا أحمد بن صالح نا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر قال : حدثه أنه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر تقول كلما مرت بالحجون : صلى الله على رسوله لقد نزلنا معه هاهنا ، ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة ، والزبير ، وفلان ، وفلان ; فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا باطل بلا خلاف من أحد ; لأن عائشة رضي الله عنها لم تعتمر في عام حجة الوداع قبل الحج أصلا ; لأنها دخلت - وهي حائض - حاضت بسرف ولم تطف بالبيت إلا بعد أن طهرت يوم النحر هذا أمر في شهرة الشمس ; ولذلك رغبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها بعد الحج فأعمرها من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق كلها رواه جابر بن عبد الله ، ورواه عن عائشة : عروة ، والقاسم بن محمد ، وطاوس ، ومجاهد ، والأسود بن زيد وابن أبي مليكة .

                                                                                                                                                                                          وبلية أخرى في هذا الخبر وهي قوله فيه : ثم أهللنا من العشي بالحج ، وهذا باطل بلا خلاف ، لأن عائشة أم المؤمنين ; وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، وابن عباس ، كلهم رووا : أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن إهلالهم بالحج كان يوم التروية - وهو يوم منى - وبين يوم إحلالهم يوم إهلالهم ثلاثة أيام بلا شك ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة ، والأحاديث في ذلك مشهورة قد ذكرناها في كتبنا وذكرها الناس وكل من جمع في المسند ; فظهر عوار رواية أبي الأسود .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية