الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا باع الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهم بالجارية التي قبض عيبا فإنه يردها ويأخذ جاريته عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويأخذ قيمتها صحيحة .

وكذلك هذا في كل حيوان أو عرض .

وجه قوله أن كل واحد منهما في العوض الذي من جهة صاحبه مشترى اشتراه بعوضه وفي العوض الذي من جانبه بائع والبيع غير الشراء فإذا وجد عيبا بما اشترى فرده يبطل الشراء ولكن لا يبطل البيع وإذا بقي العقد في العوض الآخر كان على صاحبه تسليم البدل إليه كما التزمه بالعقد صحيحا وقد عجز عن ذلك فيلزمه رد قيمته كما في النكاح إذا وجدت المرأة بالصداق عيبا فاحشا فردت رجعت على الزوج بقيمته وكل واحد منهما عقد معاوضة فإذا كان هناك حكم الرد يقتصر على المردود ولا يتعدى إلى العوض الآخر فكذلك هنا يوضحه أن القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين فصارت قدرته على تسليم قيمتها صحيحة كقدرته على تسليم عينها فيبقى العقد في البدل الموجود على شرط العقد بقيمة الآخر .

وجه قولنا إن بالرد بالعيب ينفسخ القبض في المردود من الأصل ويتحقق عجز بائعها عن تسليمها كما أوجبه العقد وذلك مبطل للعقد .

( ألا ترى ) أنه لو هلك أحد العوضين قبل القبض يبطل العقد فيهما جميعا فكذلك إذا ردتا بالعيب ، وبه فارق النكاح فإن هناك لو تعذر التسليم بالهلاك قبل القبض لزمه قيمته فكذلك إذا تعذر التسليم بالرد بالعيب وهذا لأن العجز عن التسليم في الابتداء هناك لا يمنع صحة العقد والتسمية بأن يزوج امرأة على عبد الغير فإن التسمية تصح .

وإذا عجز عن تسليم المسمى يجب قيمته فهنالك العجز في الانتهاء وهنا العجز عن التسليم في الابتداء يمنع صحة العقد فإنه لو اشترى جارية بعبد الغير لا يصح الشراء فكذلك إذا عجز عن التسليم في الانتهاء بطل العقد فيلزمه رد المقبوض بحكمه ، ثم القيمة إنما تقوم مقام العين ، والحاجة هنا إلى تسليم ما تناوله العقد وهي جارية صحيحة لا إلى تسليم العين لأن العين قد كانت مسلمة إليه فلو قلنا بأنه يأخذ قيمتها لكان يأخذ بحكم العقد ولا يجوز أن يستحق بالعقد القيمة دينا في الذمة فلهذا لا يبقى العقد بعد ردها بالعيب ، ولهذا لو اشتراها بالدراهم ثم ردها بالعيب استرد دراهمه ولم يرجع بقيمتها فهذا مثله .

وإذا اشترى الرجل سلعة فطعن فيها بعيب قبل أن ينقد الثمن فله أن يردها إذا أقام البينة على العيب عندنا وقال [ ص: 139 ] ابن أبي ليلى لا تقبل شهادة شهود على العيب حتى ينقد الثمن لأن قبول البينة ينبني على دعوى صحيحة وإنما تصح الدعوى من المشتري عند وجود العيب لأنه يطالب البائع برد الثمن عليه وذلك لا يتحقق قبل إنقاد الثمن وبدون دعوى صحيحة لا يقبل منه البينة .

وحجتنا في ذلك أن الرد بخيار العيب كالرد بخيار الشرط والرؤية وذلك صحيح قبل نقد الثمن ; إذ الرد بحجة البينة معتبر بالرد بالإقرار ، ولو أقر البائع بالعيب كان للمشتري أن يرد عليه قبل نقد الثمن فكذلك إذا أقام البينة على العيب ، قوله بأن دعواه لا يصح قلنا لا كذلك فإنه يطالب البائع بتسليم الجزء الفائت وذلك حق مستحق له بالعقد فيصح منه دعوى المطالبة بالتسليم ثم إذا تحقق عجز البائع عن تسليمه رد عليه بالعيب ، ثم هو يدعي براءة ذمته عن الثمن بعد رد العين عليه ، ودعوى سبب البراءة من الديون دعوى صحيحة فتقبل بينته على ذلك والعقد لازم من حيث الظاهر في حق كل واحد منهما فهو يدعي انعدام لزومه في جانبه بسبب العيب وهذه دعوى صحيحة منه كدعوى شرط الخيار .

التالي السابق


الخدمات العلمية