الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( وإذا صلى ، وفي ثوبه من الروث ، أو السرقين ، أو بول ما لا يؤكل لحمه من الدواب ، أو خرء الدجاجة أكثر من قدر الدرهم لم تجز صلاته ) ، والأصل في هذا أن القليل من النجاسة في الثوب لا يمنع جواز الصلاة فيه عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله إذا كان بحيث يقع بصره عليه يمنع جواز الصلاة قال ; لأن الطهارة عن النجاسة العينية شرط جواز الصلاة كالطهارة عن الحدث الحكمي فكما أن الشرط ينعدم بالقليل من الحدث ، وكثيره فكذلك ينعدم بالقليل من النجاسة ، وكثيرها .

وحجتنا ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قليل النجاسة في الثوب فقال : إن كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ، ولأن القليل من النجاسة لا يمكن التحرز عنه ; فإن الذباب يقعن على النجاسات ، ثم يقعن على ثياب المصلي ، ولا بد من أن يكون على أجنحتهن ، وأرجلهن نجاسة فجعل القليل عفوا لهذا بخلاف الحدث فإنه لا بلوى في القليل منه ، والكثير . ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يكتفون بالاستنجاء بالأحجار ، وقلما يتطيبون بالماء ، والاستنجاء بالحجر لا يزيل النجاسة حتى لو جلس بعده في الماء القليل نجسه فاكتفاؤهم به دليل على أن القليل من النجاسة عفو ، ولهذا قدرنا بالدرهم على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث هكذا قال النخعي رحمه الله تعالى ، واستقبحوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم . ، وكان النخعي يقول إذا بلغ مقدار الدرهم منع جواز الصلاة . ، وكان الشعبي يقول لا يمنع حتى يكون أكثر من قدر الدرهم ، وأخذنا بهذا لأنه أوسع ، ولأنه قد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من هو مبطون ، ولوث المبطون أكثر ، ومع هذا كانوا يكتفون بالاستنجاء بالأحجار ، والدرهم أكبر ما يكون من النقد المعروف فأما المنقطع من النقود كالسهيلي ، وغيره فقد قيل إنه يعتبر به ، وهو ضعيف ، والتقدير بالدرهم فيما اتفقوا على نجاسته كالخمر ، والبول ، وخرء الدجاج ، وفي الخرء إذا كان أكثر من وزن مثقال ، ولا عرض له يمنع جواز الصلاة أيضا .

فأما الروث ، والسرقين فنقول : روث ما لا يؤكل سواء ، وهو نجس عندنا ، وقال مالك رحمه الله روث ما يؤكل لحمه طاهر لما روي أن الشبان من الصحابة في منازلهم في [ ص: 61 ] السفر كانوا يترامون بالجلة فلو كانت نجسة لم يمسوها ، وقال ; لأنه وقود أهل المدينة يستعملونه استعمال الحطب .

( ولنا ) ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ابن مسعود أحجارا للاستنجاء ليلة الجن فأتاه بحجرين ، وروثة فأخذ الحجرين ، ورمى بالروثة ، وقال أنها ركس أي نجس } .

وقيل لمحمد رحمه الله لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه ، ولم تقل بطهارة روثه قال : لما قلت بطهارته أجزت شربه فلو قلت بطهارة روثه لأجزت أكله ، وأحد لا يقول بهذا ، ثم التقدير فيه عند أبي حنيفة رحمه الله بالدرهم ، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - بالكثير الفاحش ، وقال زفر في روث ما يؤكل لحمه ما لم يكن كثيرا فاحشا لم يمنع ، وفي روث ما لا يؤكل لحمه الجواب ما قال أبو حنيفة رحمه الله ، واعتبر الروث بالبول فقال في بول ما يؤكل لحمه التقدير بالكثير الفاحش لكونه مختلفا في نجاسته فكذلك في روثه وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا في الأرواث بلوى ، وضرورة خصوصا لسائر الدواب ، وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة فكان التقدير فيه بالكثير الفاحش وأبو حنيفة رحمه الله يقول : الروث منصوص على نجاسته كما روينا في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فتتغلظ نجاسته ، ولا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم كالخمر ، والبلوى لا تعتبر في موضع النص فإن البلوى للآدمي في بوله أكثر ، وكذا في بول الحمار فإنه يترشش فيصيب الثياب ، ومع ذلك لا يعفى عنه من قدر الدرهم لأنه منصوص على نجاسته ، وروي عن محمد رحمه الله تعالى قال في الروث ، وإن كان فاحشا لا يمنع جواز الصلاة ، وهذا آخر أقاويله حين كان بالري ، وكان الخليفة بها فرأى الطرق ، والخانات مملوءة من الأرواث ، وللناس فيه بلوى عظيمة فاختار هذا القول لهذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية