الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فصل في إضلال عدد في عدد ) ، فإن سأل سائل عن امرأة أضلت أيامها فيما هو دونها من العدد فهذا محال بأن قال أيامها [ ص: 201 ] عشرة فأضلت ذلك في أسبوع ; لأن العشرة لا توجد في الأسبوع فكيف تضل فيه وكذلك لو قال : أضلت في مثلها من العدد فهو محال أيضا بأن قال : أيامها سبعة فأضلت ذلك في أيام الجمعة ; لأنها واجدة عالمة بحالها ، وإن قال : أضلت أيامها فيما هو فوقها من العدد فالسؤال مستقيم ثم الأصل فيه أن كل زمان يتيقن فيه بالحيض تترك الصلاة والصوم ولا يأتيها زوجها فيه بيقين ، وكل زمان تيقنت فيه بالطهر تصلي فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ولا يأتيها زوجها فيه ، وكل زمان تردد بين الحيض والطهر تصلي فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه ، وكل زمان تردد بين الحيض والطهر والخروج من الحيض تصلي فيه بالاغتسال لكل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه .

وأصل آخر أنها متى أضلت أيامها في ضعفها من العدد أو أكثر من الضعف فلا يتيقن بالحيض في شيء منه نحو ما إذا كانت أيامها ثلاثة فضلت ذلك في ستة أو ثمانية ; لأنها لا تتيقن بالحيض في شيء من أوله وآخره ، ومتى ضلت أيامها فيما دون ضعفه يتيقن بالحيض في بعضه نحو ما إذا كانت أيامها ثلاثة فضلت ذلك في خمسة فإنها تتيقن بالحيض في اليوم الثالث فإنه أول الحيض أو آخره أو الثاني منه بيقين فتترك الصلاة فيه لهذا إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل .

فنقول : إن كانت تعلم أن أيامها كانت ثلاثة في العشر الآخر من الشهر ولا تدري في أي موضع من العشر كانت ، ولا رأي لها في ذلك فهذه أضلت أيامها في أكثر من ضعفها فتصلي ثلاثة أيام من أول العشر بالوضوء لوقت كل صلاة ; لأنه تردد حالها في هذه المسألة بين الحيض والطهر ثم بعد ذلك تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشر ; لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض إلا أنها إن كانت تذكر أن خروجها من الحيض في أي وقت من اليوم كان يكون تغتسل في كل يوم في ذلك الوقت مرة ، وإن كانت لا تعرف ذلك تغتسل لكل صلاة ، فإن كانت أيامها أربعة فأضلت ذلك في العشرة فإنها تتوضأ أربعة أيام من أول العشرة لوقت كل صلاة ; لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم بعد ذلك تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشرة ; لأنه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض .

وإن كانت أيامها خمسة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلي خمسة أيام من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة ; لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تصلي إلى آخر العشرة بالاغتسال لكل صلاة ; لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من [ ص: 202 ] الحيض ، فإن كانت أيامها ستة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلي من أول العشرة أربعة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تدع يومين ثم تصلي في أربعة أيام بالاغتسال لكل صلاة ; لأن الأربعة الأولى ترددت بين الحيض والطهر ، فأما اليوم الخامس والسادس فهو حيض بيقين ; لأنه إن كانت أيامها من أول العشر فهذا آخر حيضها .

وإن كانت من آخر العشر فهذا أول حيضها فلهذا تركت الصلاة فيهما بيقين ثم في الأربعة الأواخر تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فتصلي فيه بالاغتسال لكل صلاة .

وإن كانت أيامها سبعة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلي ثلاثة من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع أربعة بيقين ; لأن هذه الأربعة فيها يقين الحيض فإنها آخر الحيض إن كانت البداية من أول العشرة وأول الحيض إن كانت أيامها في آخر العشرة ثم تصلي ثلاثة أيام بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، وإن كانت أيامها ثمانية فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلي في يومين من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة ستة ; لأن فيها يقين الحيض ثم تصلي في اليومين الآخرين بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض .

فإن كانت أيامها تسعة فأضلتها في عشرة فإنها تصلي في يوم من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة ثمانية أيام ; لأن فيها يقين الحيض ثم تصلي في اليوم الآخر بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، فإن كانت أيامها عشرة فهي واجدة ; لأن إضلال العشرة في العشرة لا يتحقق ، فإن كانت تذكر أنها كانت تطهر في آخر الشهر ولا تدري كم كانت أيامها توضأت إلى تمام سبعة وعشرين يوما من الشهر ثم أمسكت عن الصلاة ثلاثة أيام ثم اغتسلت غسلا واحدا ، وهذا الجواب صحيح لكن فيه بعض الإبهام فإنه لم يميز وقت التيقن بالطهر من وقت الشك ، وتمام الجواب في أن نبين ذلك فنقول : إلى عشرين من الشهر لها يقين الطهر فتتوضأ فيها لوقت كل صلاة ويأتيها زوجها ثم في سبعة أيام بعد ذلك تردد حالها بين الحيض والطهر ، فإن كان حيضها ثلاثة فهذه السبعة من جملة الطهر .

وإن كان حيضها عشرة فهذه السبعة من جملة حيضها فتصلي فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها ثم في ثلاثة أيام تتيقن بالحيض فتترك الصلاة فيها ، ووقت الخروج من الحيض معلوم [ ص: 203 ] لها وهو عند انسلاخ الشهر فاغتسلت عند ذلك غسلا واحدا ، فإن كانت تذكر أنها كانت ترى الدم إذا جاوزت عشرين يوما ولا تدري كم كانت أيامها فإنها تدع بعد العشرين الصلاة ثلاثة أيام بيقين ; لأن الحيض لا يكون أقل منها ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، وتعيد صوم هذا العشر في عشر آخر من شهر آخر ; لأن فيها يقين الطهر ، وهذا الجواب مستقيم إذا كانت تعلم أن ابتداء رؤية الدم كان بعد مجاوزة العشرين فأما إذا كانت تعلم أنها كانت ترى الدم يوم الحادي والعشرين ، ولا تتذكر سوى ذلك شيئا فالجواب أنها تتيقن بالطهر إلى الحادي والعشرين من الشهر فتصلي فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ، ويأتيها زوجها ثم تصلي في تسعة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ; لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر فمن الجائز أن اليوم الحادي والعشرين آخر حيضها وأيامها عشرة ولا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض .

وإن كانت تستيقن أنها كانت ترى الدم بعد ما مضى سبعة عشر من الشهر ولا تدري كم كانت أيامها فقد ذكر في بعض نسخ الحيض أنها تدع ثلاثة أيام بعد ستة عشر ; لأن فيها يقين الحيض والطهر والخروج من الحيض ثم تصلي في سبعة أيام بالاغتسال لكل صلاة بالشك ; لأن فيه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، ولكن تأويل هذا أنها كانت تذكر أن ابتداء حيضها كان يكون بعد سبعة عشر ، وفي عامة النسخ قال : إنها تصلي بالوضوء ثلاثة أيام ثم بالاغتسال سبعة أيام ، وهذا الذي ذكره الحاكم في المختصر وقال : إنما خالف بين الجواب في هذه والجواب في الأولى ; لأنها لا تعلم أن حيضها كان متصلا بمضي سبعة عشر من الشهر ، وإنما تعلم كونه في العشرة التي بعدها فإذا كان موضوع المسألة هذا فهذه امرأة أضلت أيامها في العشرة بعد سبعة عشر من الشهر ، ولا تدري كم كانت أيامها فأقلها ثلاثة بيقين ، وقد بينا فيمن أضلت ثلاثة في عشرة أنها تتوضأ لوقت كل صلاة ، وإذا كان على المستحاضة صلوات فائتة ولا تذكر شيئا من أمرها فإنها تقضي ما عليها في يوم أن قدرت عليه .

وإن لم تقدر ففي يومين بالاغتسال لكل صلاة ثم تعيدها بعد مضي عشرة أيام في اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر لتتيقن بالأداء في زمان الطهر في إحدى المرتين ، فإن كانت تذكر أنها ترى الدم يوم الحادي عشر في الشهر ولا تذكر أوله وآخره فإنها تتوضأ إلى الحادي عشر بيقين الطهر ويأتيها زوجها فيه ثم تتوضأ لوقت كل [ ص: 204 ] صلاة في تسعة أيام بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع اليوم الحادي والعشرين ثم تغتسل في تسعة أيام لكل صلاة بالشك لا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، وإن كانت تعلم أنها كانت تحيض في كل شهر مرة في أوله أو في آخره ولا تدري كم كان حيضها ولا تدخل شهرا في شهر فإنها تتوضأ من أول الشهر ثلاثة أيام لوقت كل صلاة لتردد حالها في هذه الثلاثة بين الحيض والطهر ، ولا يأتيها زوجها ثم تغتسل سبعة أيام لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض ، ولا يأتيها زوجها أيضا ثم تتوضأ إلى آخر الشهر ولم يميز في هذا الجواب الزمان الذي فيه يقين الطهر ولا بد من ذلك فنقول في العشر الأوسط تتوضأ لوقت كل صلاة ; لأنها تتيقن بالطهر فيها ، ويأتيها زوجها ، وفي العشر الأواخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ، ولا يأتيها زوجها لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ، ولا يحتمل الخروج من الحيض في هذه العشرة إنما تردد حالها بين الحيض والطهر والدخول في الحيض ; لأنه لو تصور الخروج من الحيض في هذه العشرة كان فيه إدخال شهر في شهر وقد نصت على أنها كانت لا تدخل شهرا في شهر فلهذا تتوضأ في العشرة لوقت كل صلاة ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال خروجها من الحيض لتمام الشهر إن كان حيضها في هذه العشرة الأخيرة ، فإن كانت تعرف أنها كانت ترى الدم عشرة أيام من الشهر ولا تدري أوله وآخره فإنها تتوضأ من أول الشهر إلى تمام العشرة لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ وتصلي إلى آخر الشهر ولكن في العشر الأوسط يقين الطهر فتتوضأ لوقت كل صلاة بيقين ، ويأتيها زوجها ، وفي العشر الآخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال خروجها من الحيض عند تمام الشهر إن كان حيضها العشر الآخر .

فإن كانت تعلم أن أيامها خمسة ، وأنها كانت ترى الدم في اليوم العشرين من الشهر ولا تحفظ شيئا سوى هذا فمن أول الشهر إلى تمام خمسة عشر تصلي بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين ويأتيها زوجها ; لأنها تتيقن بالطهر فيها ثم في أربعة أيام تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها بين الحيض والطهر وفي اليوم العشرين تترك بيقين ، وتغتسل بعدها أربعة أيام بالشك ; لأن كل ساعة من هذه الأربعة الأيام فيها توهم خروجها من الحيض

التالي السابق


الخدمات العلمية