الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) ولا يقوم عندها ; لأنه قد بقي عليه أعمال يحتاج إلى أدائها في هذا اليوم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم عند جمرة العقبة ، ولكنه يأتي منزله فيحلق أو يقصر ، والحلق أفضل ; لأنه جاء أوان التحلل عن الإحرام ، والتحلل بالحلق أو بالتقصير كما أشار الله عز وجل إليه في قوله { ، ثم ليقضوا تفثهم } وقضاء التفث بالحلق يكون .

وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذبح هداياه دعا بالحلاق فأهوى إليه الشق الأيمن من رأسه فحلقه ، وقسم شعره على أصحابه رضي الله عنهم ، ثم حلق الشق الأيسر وأعطى شعره أم سليم رضي الله عنها } ، ولم يذكر الذبح هنا ; لأنه من حكم المفرد بالحج ، وليس عليه هدي وهو مسافر أيضا لا تلزمه التضحية ، ولكنه لو تطوع بذبح الهدي فهو حسن يذبحه بعد الرمي قبل الحلق لما روينا أن أول نسكنا أن نرمي ، ثم نذبح ، ثم نحلق والحلق أفضل من التقصير ; لأن الله تعالى بدأ به في كتابه في قوله { محلقين رءوسكم ومقصرين } وقال { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فهذا بيان أنه ينبغي أن يتحلل بالحلق . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { رحم الله المحلقين فقيل : والمقصرين فقال : رحم الله المحلقين حتى قال في الرابعة : والمقصرين } فقد [ ص: 22 ] ظاهر في هذا الدعاء ثلاث مرات للمحلقين فدل أنه أفضل .

( قال ) ثم قد حل له كل شيء إلا النساء فالحاصل أن في الحج إحلالين : أحدهما بالحلق ، والثاني بالطواف . فبالحلق يحل له كل شيء كان حراما على المحرم إلا النساء ، وقال مالك رحمه الله تعالى إلا النساء والطيب . وقال الليث رحمه الله تعالى إلا النساء وقتل الصيد ; لأنهما محرمان بنص القرآن فلا ترتفع حرمتهما إلا بتمام الإحلال ، ولكنا نقول قتل الصيد ليس نظير الجماع ألا يرى أن الإحرام يفسد بالجماع ، وقتل الصيد لا يفسده فكان هو نظير سائر المحظورات يرتفع بالحلق ومالك رحمه الله تعالى يقول استعمال الطيب من دواعي الجماع فلا يحل إلا بالطواف كنفس الجماع ، وحجتنا حديث عائشة رضي الله عنها { كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } واستعمال الطيب لا يفسد الإحرام بحال بخلاف النساء فكان قياس سائر المحظورات .

ولهذا الأصل قال الشافعي رحمه الله تعالى حرمة الجماع فيما دون الفرج ترتفع بالحلق أيضا ; لأنه لا يفسد الإحرام بحال . ولكنا نقول ما يقصد منه قضاء الشهوة بالنساء فحله مؤخر أيضا إلى تمام الإحلال بالطواف شرعا ، وفي ذلك الجماع في الفرج ، وفيما بعد الفرج سواء

التالي السابق


الخدمات العلمية