الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ( وإذا نسي المتوضئ مسح رأسه فأصابه ماء المطر مقدار ثلاثة أصابع فمسحه بيده ، أو لم يمسحه أجزأه عن مسح الرأس ) ، وكذلك الجنب إذا وقف في المطر الشديد حتى غسله ، وقد أنقى فرجه ، وتمضمض ، واستنشق ، وكذلك المحدث إذا جرى الماء على أعضاء وضوئه ; لأن الماء مطهر بنفسه قال الله تعالى { ، وأنزلنا من السماء ماء طهورا } ، والطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره فلا يتوقف حصول التطهر به على فعل يكون منه كالنار فإنه لا يتوقف حصول الاحتراق بها على فعل يكون من العبد ، وإذا ثبت هذا في المغسول ثبت في الممسوح بطريق الأولى ; لأنه دون المغسول ، والمعتبر فيه إصابة البلة ، وعلى هذا الأصل قلنا بجواز الوضوء ، والغسل من الجنابة بدون النية .

( وقال الشافعي رحمه الله ) : لا يجوز إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى } ، ولأنها طهارة هي عبادة فلا تتأدى بدون النية كالتيمم ، وهذا ; لأن معنى العبادة لا يتحقق إلا بقصد ، وعزيمة من العبد بخلاف غسل النجاسة فإنه ليس بعبادة .

( ولنا ) آية الوضوء ففيها تنصيص على الغسل ، والمسح ، وذلك يتحقق بدون النية فاشتراط النية يكون زيادة على النص إذ ليس في اللفظ المنصوص ما يدل على النية ، والزيادة لا تثبت بخبر الواحد ، ولا بالقياس بخلاف التيمم فإنه عبارة عن القصد لغة قال الله تعالى { ، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ففي اللفظ ما يدل على اشتراط النية فيه ، ولأنها طهارة بالماء فكانت كغسل النجاسة ، وتأثير ما قلنا أن الماء مطهر في نفسه ، والحدث الحكمي دون النجاسة العينية فإذا عمل الماء في إزالة النجاسة العينية بدون النية ففي إزالة الحدث الحكمي أولى ، ونحن نسلم أن الوضوء بغير نية لا يكون عبادة ، ولكن معنى العبادة فيها تبع غير مقصود إنما المقصود إزالة الحدث ، وزوال الحدث يحصل باستعمال الماء فوجد شرط جواز الصلاة ، وهو القيام إليها طاهرا بين يدي الله تعالى فيجوز كما لو لم يكن محدثا في الابتداء ، وبه نجيب عن استدلاله بالحديث فإن المراد أن ثواب العمل بحسب النية ، وبه نقول ، وعن التيمم فإن التراب غير مزيل [ ص: 73 ] للحدث أصلا ، ولهذا لو أبصر المتيمم الماء كان محدثا بالحدث السابق فلم يبق فيه إلا معنى التعبد ، وذلك لا يحصل بدون النية . يوضح الفرق أن النية تقترن بالفعل ، ولا بد من الفعل في التيمم حتى إذا أصاب الغبار وجهه ، وذراعيه لا يجزئه عن التيمم . وفي الوضوء ، والاغتسال لا معتبر بالفعل حتى إذا سال ماء المطر على أعضائه زال به الحدث فكذلك بدون النية .

التالي السابق


الخدمات العلمية