الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا اشترك رهط محرمون في [ ص: 81 ] قتل صيد فعلى كل واحد منهم جزاء كامل عندنا ، وقال الشافعي عليهم جزاء واحد لأن من أصله أن المعتبر هو المحل ، ولهذا قال الدال الذي لم يتصل فعله بالمحل فلا يلزمه شيء ، والمحل هنا واحد فلا يلزمهم إلا جزاء واحد ، وقاس بصيد الحرم فإن جماعة من الحلالين إذا اشتركوا في قتل صيد الحرم لا يلزمهم إلا جزاء واحد ، وقاس بحقوق العباد أيضا فإن الصيد إذا كان مملوكا لا يجب على الذين قتلوه إلا قيمة واحدة لصاحبه كذلك فيما يجب لحق الله تعالى ، وحجتنا ما بينا أن الواجب على المحرم جزاء فعله ، وفعل كل واحد من الفاعلين كامل جنى به على إحرام كامل فيجعل في حق كل واحد منهم كأنه ليس معه غيره كما في كفارة القتل ، وكما في القصاص الواجب بطريق جزاء الفعل يجعل كل قاتل كالمنفرد به ، وبه فارق صيد الحرم لأن وجوب الضمان هناك باعتبار المحل ، ويسلك بضمان الصيد مسلك الغرامات ، ولهذا لا مدخل للصوم فيه ، وفي إباحة الدم روايتان أيضا فالغرامات تكون واجبة بدلا عن المتلف فإذا كان المتلف واحدا لا يجب إلا بدل واحد كالدية فإنها لا تتعدد بتعدد القاتلين فأما هذه الكفارة تجب بطريق جزاء الفعل ، والفعل يتعدد بتعدد الفاعلين يوضح الفرق أن المعتبر هنا حرمة الإحرام ، وإحرام زيد غير إحرام عمرو ، وهناك المعتبر حرمة الحرم ، وهي متحدة في حق الفاعلين فأما ضمان حقوق العباد فوجوبه بطريق الجبران ، وذلك يتم بإيجاب بدل واحد ، وما يجب لحق الله تعالى لا يكون بطريق الجبران لأن الله تعالى عن أن يلحقه نقصان ليكون ما يجب له جبرانا .

وعلى هذا الأصل القارن إذا قتل صيدا فعليه جزاءان عندنا ، وعنده جزاء واحد لأن المعتبر عنده اتحاد المحل ، وعندنا هو الجناية على الإحرام ، والقارن جان على إحرامين ، وحقيقة المسألة تبنى على الأصل الذي أشرنا إليه فإن عنده يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج ، ولهذا قال يطوف القارن طوافا واحدا فيدخل أحدهما في الآخر ، وعندنا لا يدخل أحدهما في الآخر فإن القران ينبئ عن الضم والجمع دون التداخل فصار القارن بقتل الصيد جانيا على إحرامين فيلزمه جزاءان ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى إحرام العمرة في حكم التبع لإحرام الحج ، ولهذا يتحقق الجمع بين النسكين أداء فإن الأصلين لا يجتمعان أداء كالحجتين والعمرتين ، وإذا كان تبعا لا يظهر مع الأصل كحرمة الحرم مع حرمة الإحرام فإن المحرم إذا قتل صيدا في الحرم لا يلزمه إلا جزاء واحد ، وقيل إن حرمة الحرم تبع لحرمة الإحرام فلا يظهر تأثيره مع الإحرام ، ولكنا نقول [ ص: 82 ] كل واحد من الإحرامين أصل مثل صاحبه لأن كل واحد منهما يعم البقاع كلها فلا يكون أحدهما تبعا للآخر بل يعتبر كل واحد منهما في إيجاب موجبه كأنه ليس معه صاحبه كما أن حرمة الجماع بسبب حرمة الصوم ، وعدم الملك إذا اجتمعا بأن زنى الصائم في رمضان يجب عليه الحد ، والكفارة جميعا ، وكذلك حرمة الخمر ثابتة لعينها فيثبت باليمين إذا حلف لا يشربها حرمة أخرى ثم عند الشرب يلزمه الحد ، والكفارة جميعا ، وهذا بخلاف حرمة الحرم فإنها دون حرمة الإحرام . ألا ترى أنه لا يعم البقاع كلها ، وإنه لا بد من اعتباره في حق المحرم فإن المحرم لا يستغني عن دخول الحرم ، وإذا كان في حكم التبع لم يعتبر في حق المحرم ، ولأنه لا مقصود هناك سوى وجوب ترك التعرض للصيد ، وذلك حاصل في حق المحرم بإحرامه فلا يزداد بالحرم في حقه فأما هنا العمرة بعقد مقصود يحوي ترك التعرض للصيد فوجب اعتباره في حق المحرم بالحج كما يجب اعتباره في حق غير المحرم بالحج

التالي السابق


الخدمات العلمية