الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وإذا تزوج واحدة في عقدة وثنتين في عقدة وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ثم مات ولا يعرف أيتهن أول ، فنقول : ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا بين الثنتين والثلاث والأربع أثلاثا ; لأن الميراث إنما يتوزع على الأحوال ، والأحوال ثلاثة بيقين ، إما أن يصح نكاح الأربع أو نكاح الثلاث مع الواحدة أو نكاح الثنتين مع الواحدة ، وليس هنا حالة رابعة ، وباعتبار الأحوال كل فريق في استحقاق الميراث مساو للفريقين الآخرين على معنى أنه إن تقدم نكاحه استحق الميراث وإلا فلا ، فلهذا كان الميراث بينهن أثلاثا لا مزاحمة للواحدة مع الأربع في الثلث الذي صار لهن ; لأن نكاحها لا يجوز معهن ، وإنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ، ولكنها تدخل مع الثلاث فتأخذ ثمن ما أصابهن ; لأنهن إنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ، ونكاح الواحدة يجوز معهن إلا أن في نكاح الواحدة ترددا ، فإنه إما أن يجوز مع الثلاث أو مع الثنتين ، فإن جاز مع الثلاث كان لها ربع ما في يدي الثلاث ، وإن جاز مع الثنتين لم يكن لها شيء مما في يدي الثلاث ، فتأخذ مما في يدي الثلاث نصف الربع وهو الثمن والباقي بين الثلاث أثلاثا ، ثم تدخل مع الثنتين فتأخذ سدس ما في يديهما ; لأنهما أخذنا باعتبار جواز نكاحهما ، ونكاح الواحدة يجوز مع نكاحهما ، فإن كان جواز نكاحهما معهما كان لها ثلث ما في أيديهما ، وإن كان مع الثلاث لم يكن لها شيء مما في أيديهما ، فلهذا تأخذ منهما نصف الثلث وهو سدس ما في أيديهما والباقي بينهما نصفان ، وأما حكم المهر فنقول : على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لهن ثلاثة مهور [ ص: 167 ] ونصف مهر ; لأنه إن جاز نكاح الأربع فلهن أربعة مهور ، وإن جاز نكاح الثلاث مع الواحدة فكذلك .

وإن كان جاز نكاح الثنتين مع الواحدة فلهن ثلاثة مهور ، فثلاثة مهور لهن بيقين والمهر الرابع يثبت في حالين ، ولا يثبت في حال ، ولكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكأنه ثبت في حال دون حال فيتنصف ، فلهذا كان لهن ثلاثة مهور ونصف مهر ، فأما نصف مهر من ذلك فللأربع ثلاثة أرباعه وللثلاث ربعه ; لأنه لا منازعة للثنتين في هذا النصف ، والأربع يدعين ذلك لأنفسهن والثلاث يدعين ذلك بانضمام الواحدة إليهن ، وانضمام الواحدة إليهن في حال دون حال ، فباعتبار الحالين يكون للثلاث نصف نصف هذا وهو الربع ، وللأربع ثلاثة أرباع ، فأما مهر واحد فللأربع منه سدسان ونصف سدس ، وللثلاث سدسان ونصف سدس ، وللثنتين سدس ; لأن الثلاث والأربع يدعين هذا المهر لأنفسهن ، والثنتان لا يدعيان ذلك إلا بانضمام الواحدة إليهما ، وانضمام الواحدة إليهما في حال دون حال ، ففي حالة الانضمام لهما ثلث ذلك ، وفي غير حالة الانضمام لا شيء لهما فلهما نصف الثلث وهو السدس ، والباقي وهو خمسة أسداس استوت فيه منازعة الثلاث والأربع فكان بينهما نصفين لكل فريق سدسان ونصف سدس ، وأما المهران فقد استوت في ذلك منازعة الفرق الثلاث فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر ، فأما الأربع فقد أصابهن مرة ثلثا مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلاثة أرباع النصف ، فيجمع ذلك كله ويقسم بينهن بالسوية ، إذ لا مزاحمة للواحدة معهن ، وأما الثلاث فقد أصابهن مرة ثمن مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلثا مهر فيجمع ذلك كله ثم الواحدة تأخذ ثمن جميع ذلك ; لأنه إن صح نكاحها معهن فلها ربع ذلك .

وإن لم يصح فلا شيء لها فتأخذ ثمن ذلك ، والباقي بين الثلاث بالسوية ، وأما الثنتان فإنهما أصابهما مرة ثلثا مهر ومرة سدس مهر فتدخل الواحدة معهما وتأخذ سدس ما في أيديهما ; لأنه إن جاز نكاحها معها فلها ثلث ذلك وإلا فلا شيء لها ، فتأخذ نصف الثلث وهو السدس ثم الباقي بينهما نصفان ، وإذا أردت تصحيح الحساب فالطريق فيه ضرب هذه المخارج بعضها في بعض وهو واضح لا يشتغل به للتحرز عن التطويل ، وعلى قول محمد رحمه الله تعالى للأربع مهر وثلث مهر وللثلاث مهر وللاثنتين ثلثا مهر وللواحدة نصف مهر ، فجملة ذلك أيضا ثلاثة مهور ونصف كما هو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ، ووجه التخريج أن الأحوال ثلاثة فيجب اعتبار كل حالة ، فيقول : نكاح الأربع يصح في حال ، ولا يصح في حالين ، فإن صح [ ص: 168 ] نكاحهن فلهن أربعة مهور ، وإن لم يصح فلا شيء لهن ، وأحوال الحرمان أحوال فلهن ثلث ذلك وهو مهر وثلث مهر بينهن بالسوية ، والثلاث إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ، وإن لم يصح فلا شيء لهن ، ونكاحهن يصح في حال ولا يصح في حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر واحد ، والثنتان إن صح نكاحهما فلهما مهران ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك ، وذلك ثلثا مهر ، والواحدة يصح نكاحها في حالين إما مع الثلاث أو مع الثنتين ، ولا يصح نكاحها في حال وهو ما إذا تقدم نكاح الأربع ، لكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكان نكاحها يصح في حال دون حال فكان لها نصف المهر ، وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا .

( قال : ) فإن كانت إحدى الأربع أمة والمسألة بحالها فنكاح الأمة فاسد بيقين لانضمامها إلى الحرائر ، ولا حظ لها من المهر ولا من الميراث ، ونكاح المنفردة هنا صحيح على كل حال ; لأن الباقي في الحاصل ثلاث وثلاث واثنتان وواحدة ، فيتيقن بصحة نكاح الواحدة إما مع الثنتين أو مع أحد الفريقين من الثلاث ، ثم بيان حكم المهران على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لهن ثلاثة مهور ونصف لما بينا أن أكثر مالهن أربعة مهور وأقل مالهن ثلاثة مهور ، فيتوزع المهر الرابع نصفين ثم للمنفردة من هذه الجملة مهر كامل ; لأنا تيقنا بصحة نكاحها بقي مهران ونصف ، فأما نصف مهر من ذلك لا منازعة فيه للثنتين ، وكل فريق من الثلاث يدعين ذلك فيكون بين الفريقين نصفين ، بقي مهران استوت فيهما منازعة الفرق الثلاثة فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر ، فأما على قول محمد فللواحدة مهر كامل لما قلنا ولكل فريق من الثلاث مهر واحد ; لأن نكاح كل فريق يصح في حال ولا يصح في حالين ، وفي حالة الصحة لهن ثلاثة مهور ، وأحوال الحرمان أحوال فكان لكل فريق ثلث ذلك وهو مهر واحد ، ونكاح الثنتين يصح في حال ولا يصح في حالين ، وفي حالة الصحة لهما مهران فلهما ثلث ذلك وهو ثلثا مهر ، وميراث النساء بينهن للواحدة من ذلك سبعة من أربعة وعشرين ; لأن نكاحها صحيح بيقين ، فإن صح مع الثنتين فلها ثلث الميراث ثمانية من أربعة وعشرين ، وإن صح مع الثلاث فلها ربع الميراث ستة من أربعة وعشرين ، فقدر ستة يقين وما زاد على ذلك يثبت في حال دون حال ، فلهذا كان لها سبعة ، ولا يقال ستة لها في حالين بأن يصح نكاحها مع هؤلاء الثلاث أو مع الفريق الآخر ، فكان ينبغي أن تعتبر الحالتان في حقها لأنهما حالتا حرمان الزيادة ، وهذا لأنه لا فرق في حقها بين أن يكون صحة نكاحها مع هذا [ ص: 169 ] الفريق أو مع الفريق الآخر ، واعتبار الأحوال لا يتفاوت ، وإذا لم يكن في حقها تفاوت في هاتين الحالتين فهما حالة واحدة .

( قال : ) ولهم واحد من الباقي وهو سبعة عشر بين الثلاث نصفان ; لأن الثنتين لا يدعيان أكثر من ثلثي الميراث ، وما بقي وهو ستة عشر بينهن أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ذلك ، ولكن هذا الجواب على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ، فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الباقي بعد نصيب الواحدة كله مقسوم بين الفرق أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ما يفرغ من حق الواحدة وقد تقدم بيان نظائره

التالي السابق


الخدمات العلمية