الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) وإذا تزوجت المرأة المعتدة من الطلاق برجل ودخل بها ففرق بينهما فعليها عدة واحدة من الأول والآخر ثلاث حيض ، وهو مذهبنا لأن العدتين إذا وجبتا يتداخلان وينقضيان بمضي مدة واحدة إذا كانتا من جنس واحد ، وهو قول معاذ بن جبل رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يتداخلان ولكنها تعتد بثلاث حيض من الأول ثم بثلاث حيض من الثاني فإن كانت العدتان من واحد بأن وطئ معتدته بعد البينونة بالشبهة فلا شك عندنا أنهما ينقضيان بمدة واحدة ، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى ، وفي القول الآخر يقول لا تجب العدة بسبب الثاني أصلا وحجتنا في ذلك أنهما حقان وجبا لمستحقين فلا يتداخلان كالمهرين ولأن العدة فرض كف لزمها في المدة ولا يجتمع الكفان في مدة واحدة كصومين في يوم واحد وهذا هو الحرف الذي يدور عليه الكلام فإن المعتبر عنده معنى العبادة في العدة لأنه كف عن الأزواج والخروج فتكون عبادة كالكف عن اقتضاء الشهوات في الصوم وأداء العبادتين في وقت [ ص: 42 ] واحد لا يتصور .

ولو جاز القول بالتداخل في العدة لكان الأولى أقراء عدة واحدة فينبغي أن يكتفي بقرء واحد لأن المقصود يحصل ، وهو العلم بفراغ الرحم وحجتنا في ذلك أن العدة مجرد أجل والآجال تنقضي بمدة واحدة في حق الواحد والجماعة كآجال الديون وبيانه أن الله سبحانه وتعالى سمى العدة أجلا فقال عز وجل { أجلهن أن يضعن حملهن } وسماه تربصا والتربص هو الانتظار والانتظار يكون سبب الأجل كالانتظار في المطالبة بالدين إلى انقضاء الأجل ومن حيث المقصود في الأجل يحصل مقصود كل واحد من الغريمين بمدة واحدة وهنا مقصود كل واحد من صاحبي العدة يحصل بثلاث حيض ، وهو العلم بفراغ رحمها من مائه ثم معنى العبادة في العدة تبع لا مقصود وإنما ركن العدة حرمة الخروج والتزوج ألا ترى أن الله تعالى ذكر ركن العدة بعبارة النهي فقال تعالى ولا يخرجن وقال عز وجل { ولا تعزموا عقدة النكاح } وموجب النهي التحريم والحرمات تجتمع فإن الصيد حرام على المحرم في الحرم لحرمة الإحرام والحرم والخمر حرام على الصائم لصومه ولكونه خمرا وليمينه إذا حلف لا يشربها بخلاف ركن الصوم فإنه مذكور بعبارة الأمر قال الله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فعرفنا أن الركن فيه الفعل ثم عدتها تنقضي وإن لم تعلم وتنقضي وإن لم تكف نفسها عن الخروج والبروز ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها ولأن بوطء الثاني قد لزمها العدة والشروع في العدة لا يتأخر عن حال تقرر عن سبب الوجوب .

وهذا لأنه لو امتنع شروعها فيه إنما يمتنع بسبب العدة الأولى والعدة الأولى أثر النكاح وأصل النكاح لا يمنع شروعها في العدة إذا تقرر سبب وجوبها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة فأثرها أولى أن لا يمنع ولأن هذه العدة لتبين فراغ الرحم وبمضي العدة الأولى يتيقن بفراغ الرحم فيستحيل أن يكون شروعها في العدة موقوفا على التيقن بفراغ الرحم ولا معنى لما ذكره من أقراء العدة الواحدة فإن الشهور في الأجل الواحد لا تتداخل والجلدات في الحد الواحد لا تتداخل ويتداخل الحدان وهذا لأن الحيضة الواحدة لتعريف براءة الرحم والثانية لحرمة النكاح والثالثة لفضيلة الحرية فإذا قلنا بالتداخل في أقراء عدة واحدة يفوت هذا المقصود ، وفي الكتاب قال ألا ترى أنها لو كانت حاملا فوضعت حملها انقضت عدتها منهما أما إذا كانت حاملا من الأول فقد وجب عليها كل واحدة من العدتين وهي حامل وعدة الحامل تنقضي بوضع الحمل وإن حبلت من الثاني فلا بد من القول بسقوط الأقراء إذا حبلت والعدة بعد [ ص: 43 ] ما سقطت لا تعود فإن كانت حاضت من الأول حيضة ثم دخل بها الثاني فعليها ثلاث حيض حيضتان تمام العدة من الأول وابتداء العدة من الثاني والحيضة الثالثة لإكمال عدة الثاني حق لو تزوجها الثاني في هذه الحيضة جاز لأن عدتها منه لا تمنع نكاحها ولا يجوز أن يتزوجها غيره حتى تمضي هذه الحيضة وإن كان الأول طلقها تطليقة رجعية فله أن يراجعها في الحيضتين الأوليين لأن الرجعة استدامة النكاح وعدة الغير لا تمنعه من استدامة النكاح ولكن لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الآخر وليس له أن يراجعها في الحيضة الثالثة لأنها بانت منه بانقضاء عدتها في حقه وليس له أن يتزوجها لأنها معتدة من غيره وكذلك إن طلقها تطليقة بائنة فليس له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الآخر كما ليس للآخر أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الأول وعلى هذا لو كانت العدتان بالشهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية