الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) وإذا طلق الرجل امرأته بعد ما دخل بها ثم جاءت بولد فإن كان الطلاق رجعيا فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت النسب منه ولا يصير مراجعا لها بل يحكم بانقضاء عدتها لأنا نسند العلوق إلى أبعد الأوقات ، وهو ما قبل الطلاق فإنا لو أسندناه إلى أقرب الأوقات صار مراجعا لها والرجعة لا تثبت بالشك وإن جاءت به لأكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة ثبت النسب منه ويصير مراجعا لها لأن حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا كأن الزوج وطئها في العدة فحبلت كان فيه حمل أمرها على الصلاح ولو جعلنا كان غيره وطئها كان فيه حمل [ ص: 46 ] أمرها على الفساد .

فأما إذا كان الطلاق بائنا فإن جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه منه باعتبار إسناد العلوق إلى ما قبل الطلاق لأن ذلك ممكن ، وفيه حمل أمرها على الصلاح وإن جاءت به لأكثر من سنتين لا يثبت النسب من الزوج لأنا تيقنا أن العلوق كان بعد الطلاق وسواء جعلناه من الزوج أو من غيره ففيه حمل أمرها على الفساد فيجعل من غيره لأنا إذا جعلناه من الزوج كان فيه حمل أمر الزوج على الفساد ، وهو أنه أقدم على الوطء الحرام وذلك لا يجوز من غير دليل وثبوت فراشه القائم بسبب العدة لا يثبت نسب الولد كفراش الصبي على امرأته ثم يلزمها أن ترد نفقة ستة أشهر في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ، وهو رواية بشر عن أبي يوسف .

رحمه الله تعالى والظاهر من قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يلزمها رد شيء من النفقة وجه قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لم يظهر انقضاء عدتها قبل الولادة فلا يلزمها رد شيء من النفقة كما لو ولدت لأقل من سنتين وهذا لأنها ما دامت معتدة فهي مستحقة للنفقة وما لم يظهر سبب الانقضاء فهي معتدة ولم يظهر للانقضاء هنا سبب سوى الولادة ولو جعلناها كأنها وطئت بشبهة في العدة لم تسقط نفقتها وإن جعلناها كأنها تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج آخر كان فيه حمل أمرها على الفساد من وجه ، وهو أنها أخذت مالا بغير حق من زوجها مع أن فيه حكما بنكاح لم يعرف سببه وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا هذا الولد من علوق في العدة كان فيه حمل أمرها على الزنا ولو جعلنا كأن عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر وعلقت منه كان فيه حمل أمرها على الصلاح فتعين هذا الجانب ثم تزويجها نفسها بمنزلة إقرارها بانقضاء عدتها أو أقوى فتبين أنها أخذت النفقة بعد انقضاء عدتها فعليها ردها وهذا اليقين في مقدار ستة أشهر أدنى مدة الحمل ولا يلزمها الرد إلا باليقين ولا معنى لما قال أن في ذلك حمل أمرها على الفساد ، وهو أخذ المال بغير حق لأن حرمة المال دون الزنا فإن المال بذله يباح بالإذن ولا يسقط إحصانها بالأخذ بغير حق وبالزنا يسقط إحصانها ومن ابتلي ببليتين يختار أهونهما ولئن جعلناها كأنها وطئت بالشبهة في العدة فكذلك تسقط نفقتها أيضا لأنه بمعنى النشوز منها حين جعلت رحمها مشغولا بماء غير الزوج .

ومقصود الزوج من العدة صيانة رحمها فإذا فوتت ذلك كان أعظم من نشوزها وهروبها من بيت العدة فإذا سقطت نفقتها [ ص: 47 ] تبين أنها أخذت بغير حق فلزمها الرد .

التالي السابق


الخدمات العلمية