الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإن قال : أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة طلقت حين تزوجها إن مات أولم يمت ; لأنها بنفس العقد استحقت اسم الأولية بصفة الفردية ، فإن دخل بها فلها مهر ونصف مهر ، ونصف مهر بالطلاق الواقع قبل الدخول ومهر بالدخول بها ; لأن الحد قد سقط عنه بشبهة اختلاف العلماء ، والوطء في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر فإذا سقط الحد لشبهة وجب المهر ، وإن قال : إذا تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة فإحداهما طالق ، والخيار إليه ; لأنا تيقنا بوجود الشرط ، وهو تزوج امرأة فإن في المرأتين امرأة فلهذا طلقت إحداهما بغير عينها ; لأن كل واحدة منهما تزاحم الأخرى في الاسم الذي أوقع الطلاق به ، ولا وجه للإيقاع عليهما ; لأنه علق بالتزوج طلاق امرأة واحدة لا طلاق امرأتين فلهذا تطلق إحداهما ، والخيار إليه ، وإن كان نوى امرأة وحدها لم يدن في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه ذكر التزوج بامرأة مطلقا ، ثم قيدها بنيته ، وهو أن تكون وحدها ، وتقييد المطلق كتخصيص العام ، وقد بينا أن نية التخصيص في العام صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى غير صحيحة في القضاء فكذلك التقييد .

وإن كان قال : إن تزوجت امرأة وحدها ، ثم تزوج امرأتين في عقدة لم تطلق واحدة منهما ; لأن التقييد هنا بنص كلامه ، وواحدة منهما لم تتصف منهما بتلك الصفة التي نص عليها في الشرط ; لانضمام الأخرى إليها في العقد ، وإن تزوج أخرى بعدهما طلقت ; لأنها موصوفة بالصفة التي نص عليها في الشرط فإنها امرأة تزوجها وحدها ، وهو كما لو قال : إذا تزوجت امرأة سوداء فهي طالق فتزوج بيضاوين ، ثم تزوج سوداء تطلق الثالثة بخلاف قوله : أول امرأة أتزوجها ; لأن هناك نص في الشرط على وصفين : الفردية ، والسبق ، وقد انعدم في الثالثة صفة السبق ، وهنا الشرط صفة واحدة ، وهي الفردية ، وقد وجد ذلك في الثالثة ; فلهذا تطلق .

وإن قال : يوم أتزوج فلانة فهي طالق فأمر رجلا فزوجها إياه فهي طالق ; لأنه تزوجها بعبارة الوكيل فكأنه تزوجها بعبارة نفسه ، وهذا ; لأن الوكيل في النكاح معبر حتى لا يتعلق به شيء من العهدة ، ولا يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل ، وبه فارق البيع ، والشراء إذا حلف لا يفعله فأمر غيره حتى باشره لم يحنث في يمينه ; لأن العاقد لغيره في البيع ، والشراء كالعاقد لنفسه حتى تتعلق به العهدة ، ويستغني عن إضافة العقد إلى الموكل ، ولا يصير الموكل عاقدا [ ص: 133 ] بمباشرة الوكيل ، وإن عني في النكاح ما ولي عقده بنفسه لا يدين في القضاء ، وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه في معنى نية التخصيص في العام فإن مطلق اللفظ يتناول مباشرته بنفسه ومباشرة الغير له بأمره ، وكذلك إن حلف أن لا يطلقها فأمر غيره فطلقها حنث ; لأن الزوج هو المطلق بعبارة الوكيل فإن الوكيل بالطلاق معبر ألا ترى أنه لو قال لها : أنت طالق إن شئت فشاءت أو قال : اختاري فاختارت نفسها كان الزوج هو المطلق لها فكذلك هنا ، وإن قال : نويت أن أطلقها بلساني لم يدن في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام .

وإذا قال لامرأته ولم يدخل بها : أنت طالق ، وأنت طالق ، وأنت طالق ، أو قال : أنت طالق ، وطالق ، وطالق بانت بالأولى عندنا ، وعند مالك رحمه الله تطلق ثلاثا ; لأن الواو للجمع فجمعه بين التطليقات بحرف الجمع كجمعه بلفظ الجمع بأن يقول لها : أنت طالق ثلاثا ، ولكنا نقول : الواو للعطف فلا يقتضي جمعا ، وليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله ; لأن موجب أول الكلام وقوع الطلاق ، وهو واقع أوقع الثانية ، والثالثة ، أو لم يوقع فتبين بالأولى كما تكلم بها ، ثم قد تكلم بالثانية ، وهي ليست في عدته ، وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطا ، أو استثناء في آخر كلامه ; لأن في آخر كلامه ما يغير موجب أوله فتوقف أوله على آخره .

التالي السابق


الخدمات العلمية