الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا قالت المرأة : اخلعني ، ولك ألف درهم ، أو قالت طلقني ، ولك ألف درهم ، ففعل وقع الطلاق ، ولم يجب المال عليها عند أبي حنيفة .

وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يجب المال لوجهين : أحدهما أن الواو ، وإن كان للعطف حقيقة ، فقد يستعمل بمعنى الباء مجازا كما في القسم ، فإن قوله : والله كقوله بالله فقولها ولك ألف بمنزلة قولها : طلقني بألف ، أو بعني طلاقي بألف ، وإنما حملناه على هذا المجاز ; لمعنى المعاوضة ; لأن الخلع معاوضة ، وفي المعاوضات لا يعطف أحد العوضين على الآخر ، إنما يلصق أحدهما بالآخر ، ألا ترى أنه لو قال : احمل هذا المتاع إلى بيتي ولك درهم كان هذا ، وقوله : احمله بدرهم سواء حتى يجب المال إذا حمله ; ولأن هذا الواو بمعنى واو الحال ، كقول المولى لعبده : أد إلي ألفا ، وأنت حر ، وقول الغازي للمحصور : افتح الباب ، وأنت آمن .

وقد بينا فيما سبق أن الواو قد تكون للحال كما في قوله : أنت طالق وأنت مريضة ، وإذا كانت للحال كانت هي ملتزمة المال له حال إيقاع الطلاق عليها ، وذلك لا يكون إلا عوضا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : الواو للعطف حقيقة ، والحمل على الحقيقة واجب حتى يقوم الدليل على المجاز ، وباعتبار العطف تبين أن الألف ليس بعوض عن الطلاق ، ولا وجه لحملها على الباء ، أو واو الحال ; لمعنى المعاوضة ; لأن المال في الطلاق نادر ، والمعتاد فيه الإيقاع بغير عوض بخلاف الإجارة ، فالعوض فيه أصل لا تصح [ ص: 181 ] الإجارة بدونه ، وبخلاف قوله : أد إلي ألفا ، وأنت حر ; لأن أول كلامه هناك غير مفيد شرعا إلا بآخره ، فإنه يصير به تعليقا للعتق بأداء المال ، وهنا أول الكلام إن صدر من الزوج ، بأن قال : أنت طالق ، وعليك ألف درهم كان إيقاعا مفيدا دون آخره ، فلا حاجة إلى أن يحمله على الحال ، وإن صدر منها فهو التماس مفيد أيضا ; فلهذا لا يحمل على واو الحال ، بل هو بمعنى العطف ، فمعناه ولك ألف درهم في بيتك ، أو بمعنى الابتداء ، فيكون وعدا منها إياه بالمال ، والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ; ولأن أدنى ما يكون في الباب أن يكون حرف الواو محتملا لجميع ما ذكرنا ، فالمال بالشك لا يجب . .

التالي السابق


الخدمات العلمية