الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الظهار اعلم بأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة [ ص: 224 ] من غير أن يكون مزيلا للملك بيانه في قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } الآية وسبب نزولها { قصة خولة بنت ثعلبة فإنها قالت كنت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنه وقد ساء خلقه لكبر سنه فراجعته في بعض ما أمرني به فقال أنت علي كظهر أمي ثم خرج فجلس في نادي قومه ثم رجع إلي وراودني عن نفسي فقلت والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي قد قلت ما قلت حتى يقضي الله ورسوله في ذلك فوقع علي فدفعته بما تدفع به المرأة الشيخ الكبير وقد خرجت إلى بعض جيراني فأخذت ثيابا ولبستها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فجعل يقول لي : زوجك وابن عمك وقد كبر فأحسني إليه فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغشاه عند نزول الوحي فلما سري عنه قال قد أنزل الله تعالى فيك وفي زوجك بيانا وتلا قوله تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } إلى آخر آيات الظهار ثم قال مريه فليعتق رقبة فقلت لا يجد ذلك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم مريه أن يصوم شهرين متتابعين فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم فقال صلى الله عليه وسلم مريه فليطعم ستين مسكينا فقلت ما عنده شيء يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إنا سنعينه بفرق وقلت أنا أعينه بفرق أيضا فقال صلى الله عليه وسلم افعلي واستوصي به خيرا } .

ثم اختلفت العلماء رحمهم الله تعالى في قوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } فقال علماؤنا رحمهم الله تعالى هو العزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد هو السكوت عن طلاقها عقيب الظهار وقال داود المراد تكرار الظهار حتى إن على مذهبهم لا يلزمه الكفارة بالظهار مرة حتى يعيد مرة أخرى وهذا ضعيف لأنه لو كان المراد هذا لكان يقول ثم يعودون لما قالوا والدليل على فساده حديث أوس فإنه لم يكرر الظهار إنما عزم على الجماع وقد ألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفارة وكذلك حديث { سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه فإنه قال كنت لا أصبر عن الجماع فإذا دخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعتها وخرجت إلى قومي فأخبرتهم بذلك فشددوا الأمر علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم أنت بذاك فقلت أنا بذاك وها أنا بين يدك فأمض في حكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة } الحديث كما روينا في كتاب [ ص: 225 ] الصوم وليس في هذا تكرار الظهار والشافعي رحمه الله تعالى يقول كما سكت عن طلاقها عقيب الظهار فقد صار ممسكا لها فيتقرر عليه الكفارة ولكنا نقول المراد بقوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } أن يأتي بضد موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا إزالة الملك فاستدامة الملك لا تكون ضده بل ضده العزم على الجماع الذي هو استحلال وبمجرد العزم عندنا لا تتقرر الكفارة أيضا حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لم تلزمه الكفارة عندنا والحاصل أن عند الشافعي رحمه الله تعالى معنى العقوبة يترجح في الكفارة فتجب بنفس الظهار الذي هو محظور محض إلا أنه يتمكن من إسقاطها بأن يصل الطلاق بكلامه شرعا فإذا لم يفعل تتقرر عليه الكفارة وعندنا في الكفارة معنى العبادة والعقوبة ، والمحظور المحض لا يكون سببا لها وإنما سببها ما تردد بين الحظر والإباحة وذلك إنما يتحقق بالعزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف حتى يصير السبب به مترددا وسنقرر هذا الأصل في كتاب الأيمان إن شاء الله سبحانه وتعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية