الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الأذان الأذان في اللغة الإعلام ومنه قوله تعالى { وأذان من الله ورسوله } الآية ، وتكلموا في سبب ثبوته فروى أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبيه قال { مر أنصاري بالنبي صلى الله عليه وسلم فرآه حزينا وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه صلى الله عليه وسلم فلم يتناول الطعام ولكنه نام فأتاه آت فقال أتعلم حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مم ذا هو من هذا الناقوس فمره فليعلم بلالا الأذان } وذكره إلى آخره والمشهور { أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان يؤخر الصلاة تارة ويعجلها أخرى فاستشار الصحابة في علامة يعرفون بها وقت أدائه الصلاة لكي لا تفوتهم الجماعة فقال بعضهم : ننصب علامة حتى إذا رآها الناس أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك ، وأشار بعضهم بضرب الناقوس فكرهه لأجل النصارى ، وبعضهم بالنفخ في الشبور فكرهه لأجل اليهود ، وبعضهم بالبوق فكرهه لأجل المجوس فتفرقوا قبل أن يجتمعوا على شيء قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري : فبت لا يأخذني النوم وكنت بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا نزل من السماء وعليه ثوبان أخضران وفي يده شبه الناقوس فقلت : أتبيعني هذا ؟ فقال : ما تصنع به ؟ فقلت : نضربه عند صلاتنا . فقال : ألا أدلك على ما هو خير من هذا ؟ [ ص: 128 ] فقلت : نعم فقام على حذم حائط مستقبل القبلة فأذن ثم مكث هنيهة ثم قام فقال مثل مقالته الأولى وزاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فقال : رؤيا صدق ، أو قال : حق ألقها على بلال فإنه أمد صوتا منك فألقيتها عليه فقام على سطح أرملة كان أعلى السطوح بالمدينة وجعل يؤذن فجاء عمر رضي الله تعالى عنه في إزار وهو يهرول ويقول لقد طاف بي الليلة ما طاف بعبد الله إلا أنه قد سبقني فقال صلى الله عليه وسلم هذا أثبت } . وروي أن سبعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة . وكان أبو حفص محمد بن علي ينكر هذا ويقول تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون ثبت بالرؤيا كلا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به إلى المسجد الأقصى وجمع له النبيون أذن ملك وأقام فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام حتى قال كثير بن مرة أذن جبريل في السماء فسمعه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا منافاة بين هذه الأسباب فيجعل كأن ذلك كان .

ثم يختلفون في الأذان في ثلاثة مواضع : ( أحدها ) في الترجيع فإنه ليس من سنة الأذان عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى ( وصفته ) أن يأتي بكلمة - الشهادتين مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع فيأتي بهما مرتين أخريين يرفع بهما صوته واحتج الشافعي رحمه الله تعالى بحديث أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ولا يكون تسع عشرة كلمة إلا بالترجيع وروي أنه أمر بالترجيع نصا وجعل كلمة الشهادتين قياس التكبير فكما أنه يأتي بلفظة التكبير أربع مرات فكذلك كلمة الشهادتين .

( ولنا ) حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه فهو الأصل وليس فيه ذكر الترجيع ولأن المقصود من الأذان قوله حي على الصلاة حي على الفلاح ولا ترجيع في هاتين الكلمتين ففيما سواهما أولى .

وأما لفظ التكبير فدليلنا فإن ذكر التكبير مرتين لما كان بصوت واحد فهو كلمة واحدة فأما حديث أبي محذورة قلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتكرار حالة التعليم ليحسن تعلمه وهو كان عادته فيما يعلم أصحابه فظن أنه أمره بالترجيع . وقيل { إن أبا محذورة كان مؤذن مكة فلما انتهى إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خفض صوته استحياء من أهل مكة لأنهم لم [ ص: 129 ] يعهدوا ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم جهرا ففرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أذنه وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديبا له } .

( والثاني ) في التكبير ( عندنا أربع مرات وعند مالك رحمه الله تعالى مرتين ) وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قاسه بكلمة الشهادتين يأتي بهما مرتين .

( ولنا ) حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنهما في الأذان تسع عشرة كلمة ولن يكون ذلك إذا كان التكبير مرتين ثم قد بينا أن كل تكبيرتين بصوت واحد فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين .

( والثالث ) أن آخر الآذان لا إله إلا الله وعلى قول أهل المدينة لا إله إلا الله والله أكبر فاعتبروا آخره بأوله ويروون فيه حديثا ولكنه شاذ فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه على ما توارثه الناس إلى يومنا هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية