الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن احتاج رجل من المسلمين إلى شيء من المتاع حاجة يخاف على نفسه منها فلا بأس باستعمالها قبل القسمة كما يجوز تناول ملك الغير عند الحاجة إلا أن ذلك بشرط الضمان لثبوت الملك للمأخوذ منه وهذا بغير ضمان لعدم تأكد الحق قبل الإحراز .

ألا ترى أنه لو أتلف شيئا من المال قبل الإحراز لم يكن ضامنا لما أتلف ولا يقسم السبي بينهم وإن احتاج الناس إليه ما لم يخرجوهم إلى دار الإسلام ولا يبيعهم كما لا يفعل في شيء من سائر الأموال وهذا لعدم تأكد الحق فيهم قبل الإحراز ولكن يمشيهم حتى يحرزهم بدار الإسلام إن أطاقوا المشي فإن لم يطيقوه وكان معهم فضل حمولة من الغنيمة حملهم عليها لأن الحمولة حق الغانمين والسبي كذلك فمن النظر لهم أن يحمل حقهم فإن لم يكن معهم فضل حمولة ولكن كان مع بعض الغانمين فضل حمولة يحملهم عليها فعل ذلك برضاهم وإن لم تطب أنفسهم بذلك لم يفعل لأن الحمولة للخاص والسبي حق الجماعة فلا يكون له أن يستعمل في إحراز حق الجماعة حمولة الخاص منهم بغير رضاهم أرأيت لو أطاق بعضهم حمل بعض السبي على ظهره أو على عاتقه أكان يجبره الإمام على ذلك ثم يقتل الرجال لما بينا من جواز قتل الأسير قبل تعين الملك فيه إذا كان فيه نظر .

وفي هذا الموضع لو لم يقتلهم احتاج إلى تركهم فيرجعون إلى دار الحرب حربا على المسلمين فكان النظر في قتلهم ويترك النساء والصبيان في موضع يأمن أيدي المشركين أن تصل إليهم لأنه إذا تركهم في موضع تصل إليهم أيديهم يتقوون بهم وبتركه إياهم في هذا الموضع لا يكون متلفا بل يكون تاركا للإحسان إليهم وترك الإحسان لا يكون إساءة وإنما جاز له هذا القدر لعجزه عن الإحسان إليهم بالإخراج عن المهلكة وإن رأى أن يقسم ليتكلف كل واحد منهم حمل نصيبه فعل ذلك ، وهو أنفع من الترك ، وأما السلاح والمتاع فيحرقه بالنار إذا لم يستطع إخراجه إلى دار الإسلام لأنه مأمور بقطع قوة المشركين عنه وإثبات القوة للمسلمين به ، وقد عجز عن أحدهما وقدر على الآخر فيأتي بما يقدر عليه وهو الإحراق بالنار كي لا تصل إليه يد المشركين ليتقووا به قال هذا فيما يحترق ، فأما ما لا [ ص: 37 ] يحترق كالحديد ينبغي أن يدفنه في موضع لا يقف عليه أهل الحرب فيستعينوا به وأما الدواب والمواشي إذا قامت عليه فإنه لا يعقرها خلافا لمالك رحمه الله تعالى وقد بينا هذا ولا يتركها كذلك خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لما في الترك من تقوي المشركين بها ولكنه يذبحها ثم يحرقها لئلا ينتفع بها العدو فالذبح عند الحاجة مباح شرعا في مأكول اللحم وغير مأكول اللحم وبعد الذبح ربما يتقوون بلحمها فيقطع ذلك عنهم بالإحراق بالنار كما يفعل بالثياب والمتاع وفي هذا كبت وغيظ لهم ، وقد بينا جواز التخريب والإحراق فيما يكون فيه الكبت والغيظ للمشركين .

التالي السابق


الخدمات العلمية