الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( أمي صلى بقوم أميين وقارئين فصلاة الإمام والقوم كلهم فاسدة ) عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - صلاة الإمام والأميين تامة ; لأن الأمي صاحب عذر ، فإذا اقتدى به من هو في مثل حاله ومن لا عذر به جازت صلاته وصلاة من هو في مثل حاله ، كالعاري يؤم العراة واللابسين ، والمومي يؤم من يصلي بالإيماء ومن يصلي بالركوع والسجود ، وصاحب الجرح السائل يؤم من هو في مثل حاله والأصحاء ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان : ( أحدهما ) أنه لما جاءوا مجتمعين لأداء هذه الصلوات بالجماعة فالأمي قادر على أن يجعل صلاته بالقراءة بأن يقدم القارئ ، فتكون قراءة إمامه قراءة له قال صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } ، فإذا تقدم بنفسه فقد ترك أداء الصلاة بالقراءة مع قدرته عليه بنفسه ، فتفسد صلاته وصلاة القوم أيضا ، بخلاف سائر الأعذار فلبس الإمام لا يكون لبسا للمقتدين ، والركوع والسجود من الإمام لا ينوب عن المقتدي ، ووضوء الإمام لا يكون وضوءا للمقتدي فهو غير قادر على إزالة هذا العذر بتقديم من لا عذر له ( فإن قيل : ) لو كان الإمام يصلي وحده وهناك قارئ يصلي بتلك الصلاة جازت صلاة الأمي ولم ينظر إلى قدرته على أن يجعل صلاته بقراءة بالاقتداء بالقارئ ( قلنا : ) ذكر أبو حازم أن على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تجوز صلاته وهو قول مالك رحمه الله تعالى ، وبعد التسليم قلنا : لم يظهر هناك من القارئ رغبة في أداء الصلاة بالجماعة فلا يعتبر وجوده في حق الأمي ، بخلاف ما نحن فيه .

( والطريق الثاني ) أن افتتاح الكل للصلاة قد صح ; لأنه أوان التكبير ، فالأمي قادر عليه كالقارئ فبصحة الاقتداء صار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ ، ثم جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته ، وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم ، بخلاف سائر الأعذار ، فإنها قائمة عند الافتتاح فلا يصح الاقتداء ممن لا عذر له بصاحب العذر ابتداء ( فإن قيل : ) لو اقتدى القارئ بالأمي بنية النفل لا يلزمه القضاء ، ولو صح شروعه في الابتداء للزمه القضاء ( قلنا : ) إنما لا يلزمه القضاء ; لأنه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها والشروع كالنذر ، ولو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شيء إلا في رواية عن أبي يوسف [ ص: 182 ] رحمه الله ، فكذلك إذا شرع فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية