الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( أمي تعلم سورة وقد صلى بعض صلاته فقرأها فيما بقي فصلاته فاسدة مثل الآخرين ) لزوال أميته في خلال الصلاة ، وكذلك لو كان قارئا في الابتداء فصلى بعض الصلاة بقراءة ثم نسي فصار أميا فصلاته فاسدة مثل الآخرين ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعند زفر رحمه الله تعالى لا تفسد في الموضعين جميعا ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا تعلم السورة استقبل ، وإذا نسي بنى استحسانا لزفر رحمه الله تعالى ، إذ فرض القراءة في الركعتين ألا ترى أن القارئ لو ترك القراءة في الركعتين الأوليين وقد قرأ الأخريين أجزأه ، فإذا كان قارئا في الابتداء فقد أدى فرض القراءة في الأوليين فعجزه عنه بعد ذلك لا يضره كتركه مع القدرة ، وإذا تعلم السورة وقرأ في الأخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنه في الابتداء كما لا يضره تركه وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا : إذا تعلم السورة في خلال الصلاة فلو استقبلها كان مؤديا لها على أكمل الوجوه فأمرناه بالاستقبال ، فأما إذا نسي القراءة فلو أمرناه بالاستقبال كان مؤديا جميع الصلاة بغير قراءة ، فالأولى هو البناء ليكون مؤديا بعضها بقراءة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حين افتتحها وهو أمي ، فقد انعقدت صلاته بصفة الضعف ، فحين تعلم السورة فقد قوي حاله ، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز كالعاري إذا وجد الثوب في خلال الصلاة ، وكالمتيمم إذا وجد الماء في خلالها ، وإذا كان قارئا في الابتداء فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة ثم عجز عن الوفاء بما التزم فكان عليه الاستقبال في الفصلين ، هذا وكذلك إن كان الإمام قارئا فقرأ في الركعتين الأوليين ثم أحدث فاستخلف أميا فسدت صلاتهم إلا على قول زفر رحمه الله تعالى ، فإنه يقول : الإمام الأول أدى فرض القراءة وليس في الأخريين قراءة ، فاستخلاف القارئ والأمي فيه سواء .

( ولنا ) أن القراءة فرض في جميع الصلاة تؤدى في موضع مخصوص ، فإذا كان الإمام قارئا فقد التزم أداء جميع الصلاة بقراءة ، والأمي عاجز عن ذلك فلا يصلح خليفة له ، واشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له يفسد صلاته ، كما لو استخلف صبيا أو امرأة ، وعلى هذا لو رفع رأسه من آخر السجدة ثم سبقه الحدث فاستخلف أميا فسدت صلاته وصلاة القوم عندنا ، فأما إذا قعد قدر التشهد ثم أحدث فاستخلف أميا فهو على الخلاف المعروف بين أبي حنيفة رحمه الله تعالى وصاحبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية