الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو اشترى طعاما أو جارية أو ملك ذلك بهبة أو ميراث أو صدقة أو وصية فجاء مسلم ثقة فشهد أن هذا لفلان الفلاني غصبه منه البائع أو الواهب أو الميت فأحب إلي أن يتنزه عن أكله وشربه والوضوء منه ووطء الجارية لأن خبر الواحد يمكن ريبة في قلبه والتنزه عن مواضع الريبة أولى وإن لم يتنزه كان في سعة من ذلك لأن المخبر هنا لم يخبر بحرمة العين وإنما أخبر أن من تملك من جهته لم يكن مالكا وهو مكذب في هذا الخبر شرعا فإن الشرع جعل صاحب اليد مالكا باعتبار يده ولهذا لو نازعه فيه غيره كان القول قوله وعلى هذا أيضا لو أذن له ذو اليد في تناول طعامه وشرابه فأخبره ثقة أن هذا الطعام والشراب في يده غصب من فلان وذو [ ص: 172 ] اليد يكذبه وهو متهم غير ثقة فإن تنزه عن تناوله كان أولى وإن لم يتنزه كان في سعة وفي الماء إذا لم يجد وضوءا غيره توضأ به ولم يتيمم لأن الشرع جعل القول قول ذي اليد فيما في يده وهذا بخلاف ما سبق لأن هناك المخبر إنما أخبر بملك الغير في المحل وخبره في هذا ليس بحجة وهناك أخبر بحرمة ثابتة في المحل لحق الشرع وخبر الواحد فيه حجة .

( فإن قيل ) الحل والحرمة ليس بصفة للمحل حقيقة وإنما هو صفة للفعل الصادر من المخاطب وهو التناول وقد أخبره بحرمة التناول في الفصلين جميعا ( قلنا ) هذا شيء توهمه بعض أصحابنا وهو غلط عظيم فإنا لو جعلنا الحرمة صفة للفعل حقيقة ثم توصف العين به مجازا كان مشروعا في المحل من وجه وذلك ممتنع بعد ثبوت حرمة الأمهات وحرمة الميتة بالنص ولكن نقول الحرمة صفة العين حقيقة باعتبار أنه خرج شرعا من أن يكون محلا للفعل الحلال وكذلك حقيقة موجبه النفي والنسخ ثم ينتفي الفعل باعتبار انعدام المحل لأن الفعل لا يتصور إلا في المحل كالقتل لا يتصور في الميت وكان هذا إقامة العين مقام الفعل في أن صفة الحرمة تثبت له حقيقة ويتضح ذلك بالتأمل في مورد الشرع فإن الله تعالى في مال الغير نهى عن الأكل فإنه قال تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } إلى قوله { لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم } فعرفنا أن المحرم هو الأكل وفي الميتة قال تعالى { حرمت عليكم الميتة } فقد جعل الحرمة صفة للعين وكذلك قال { حرمت عليكم أمهاتكم } وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع يحسن الفقه وكذلك من حيث الأحكام من قال لامرأته أنت علي كالميتة كان بمنزلة قوله : أنت علي حرام بخلاف ما لو قال : أنت علي كمتاع فلان فإذا تقرر هذا قلنا : الحرمة الثابتة صفة للعين محض حق الشرع فتثبت بخبر الواحد ولهذا لا يسقط إلا بإذن الشرع وحرمة التناول في طعام الغير ثابتة لحق الغير ولهذا يسقط بإذنه وحق الغير لا يثبت بخبر الواحد فلا تثبت الحرمة أيضا

التالي السابق


الخدمات العلمية