الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ( فإن جعل الرأي في توزيع الغلة على الفقراء ، أو القرابة في الزيادة والنقصان إلى القيم جاز ذلك ) ; لأن رأي القيم قائم مقام رأيه وكان له في ذلك التفضيل عند الوقف رأيا فيجوز أن يشترط ذلك في القيم بعده ، وهذا ; لأن المصارف تتفاوت في الحاجة باختلاف الأوقات والأمكنة فمقصوده أن تكون الغلة مصروفة إلى المحتاجين في كل وقت ، وإنما يتحقق ذلك بالزيادة والنقصان بحسب حاجتهم والصرف إلى البعض دون البعض إذا استغنى البعض عنه ; فلهذا جوز له أن يجعل الرأي في ذلك إلى القيم ، وإن كتب لأمهات أولاده وجواريه اللاتي جعلن حرائر بعد موته كتابا أنه تصدق عليهن في حياته وجعل لهن بعد وفاته سكنى منازل وسماهن وبين حدودها ومواضعها تسكن كل امرأة منهن من ذلك بقدر ما يكفيها ما عاشت وأي امرأة منهن تزوجت . أو خرجت منتقلة إلى غير هذه المنازل فلا حق لها في السكنى ونصيبها مردود على من بقيت منهن فذلك جائز اعتبارا للسكنى بالغلة فإن الغلة تدل على المنفعة .

وإذا صح منه هذا الشرط لهن في الغلة . فكذلك في المنفعة ، وهذا ; لأن مقصوده اتصال حاجتهن إليهن لكي لا يضعن بعده وربما تكون حاجتهن إلى السكنى دون الغلة ، وقد أعطاهن في حياته من المال ما يكفيهن ، وإنما وضع هذه المسائل في أمهات الأولاد ; لأن الحكم في الزوجات الحرائر بخلافه ; لأن الزوجات يرجعن إلى قراباتهن ، ولا قرابة لأمهات الأولاد في دار الإسلام ; فلهذا ذكر المسائل فيهن .

قال [ ص: 47 ] وإن لم يحتج من بقي منهن كان ذلك ميراثا على فرائض الله تعالى ) ، ولكن هذا الشرط يجوز عند أبي يوسف رحمه الله في الحياة والموت لما بينا أنه يتوسع في أمر الوقف فلا يشترط التأبيد واشتراط العود إلى الورثة عند زوال حاجة الموقوف عليه لا يفوت موجب العقد عنده .

فأما عند محمد رحمه الله التأبيد شرط للزوم الوقف في الحياة فاشتراط العود إلى الورثة يعدم هذا الشرط فيكون مبطلا للوقف إلا أن يجعل ذلك وصية من ثلثه بعد موته فحينئذ يجوز ذلك بمنزلة الوصية لمعلوم بسكنى داره بعد موته مدة معلومة فإن ذلك جائز من ثلثه ويعود إلى الورثة إذا سقط حق الموصى له . فكذلك في حق أمهات الأولاد إذا سماهن ، وإن كتب أنه جعل لهن في حياته وأوصى لهن من بعد وفاته لكل واحدة منهن بخدمها ومتاعها وحليها وثيابها وجوهرها وسمى ما جعل لكل واحدة منهن من ذلك وبين قيمته ووزنه وأنه قد جعل لها في حياته وصحته ذلك ودفعه إليها وأوصى لها بعد وفاته فإنه تجوز الوصية من الثلث ، ولا تجوز في الحياة عندهم جميعا .

وأما عند محمد رحمه الله لا يشكل ، وعند أبي يوسف رحمه الله ; لأنه يملكهن الأعيان هنا والمملوكة ليست من أهل التمليك فلا يصح التمليك منهن إلا باعتبار حريتهن ، وذلك بعد وفاته فعرفنا أنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيكون وصية من الثلث ، وفيما سبق لا يملك بالوقف أحد شيئا ، ولكن يخرج العين عن ملكه فيجعله موقوفا عليهن لحاجتهن إلى السكنى ، وذلك يتم منه في الحال .

فإذا كان صحيحا حين أخرج الوقف من ملكه تم ذلك معتبرا من جميع ماله .

ومحمد رحمه الله هكذا يقول فيما لا يعود إليه وإلى ورثته بعد ذلك بحال بأن جعل آخر وقفه على جهة لا تنقطع فإن كان بحيث يعود إليه وإلى ورثته بعد وفاته لا يتم زواله عن ملكه فإنما يبقى تمليكه منهن ، وذلك لا يجوز في حياته ، وإنما يجوز بعد وفاته فيكون بمنزلة الوصية بالسكنى تعتبر بالثلث من ماله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية