الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما بيان مكان الإيفاء فيما له حمل ومؤنة من شرائط جواز السلم في قول أبي حنيفة الآخر وكان يقول أولا ليس بشرط ولكن إن بين مكانا تعين ذلك المكان للإيفاء وإن لم يبين يتعين موضع العقد للإيفاء وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - وحجتهما في ذلك أن موضع العقد موضع الالتزام فيتعين لإيفاء ما التزمه في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وهذا لأن المسلم فيه دين ومحله الذمة فإنما يصير مملوكا لرب السلم في ذلك المكان والتسليم إنما يجب في الموضع الذي ثبت الملك له فيه ألا ترى أن من باع حنطة بعينها بالسواد يجب تسليمها موضع الحنطة ; لأنه ملكها في ذلك الموضع ولأن أحد البدلين وهو رأس المال يجب [ ص: 128 ] تسليمه في موضع العقد فكذلك البدل الآخر ; لأن العقد في حكم مكان التسليم مطلق فيقتضي المساواة بين البدلين وبأن جاز تعبيره بالشرط فذلك لا يدل على أنه غير ثابت بمطلق العقد ويجوز تعبيره باشتراط الآجل والمطلق بمطلق البيع ثبت عقيب العقد ويجوز تعبيره بشرط الخيار وتوجه المطالبة بتسليم الثمن ثابت بمطلق العقد عقيبه ثم يجوز تعبيره باشتراط الأجل وأبو حنيفة يقول مكان الإيفاء مجهول وجهالته تفضي إلى المنازعة فيجب التحرز عن ذلك بإعلامه كزمان التسليم وإنما قلنا ذلك ; لأن موضع الإلزام إنما يتعين للتسليم بسبب يستحق به التسليم بنفس الالتزام كالقرض والغصب والاستهلاك والسلم لا يجوز إلا مؤجلا فعرفنا أنه لا يستحق التسليم عقيب العقد فيه بحال وإنما استحقاق التسليم عند حلول الأجل وعند ذلك لا ندري أنه في أي مكان يكون ثم قال : ( أرأيت لو عقد عقد السلم في السفينة في لجة البحر أكان يتعين موضع العقد للتسليم عند حلول الأجل ) هذا ما لا يقوله عاقل

والدليل عليه أن مكان العقد لو تعين لتسليم المسلم فيه لم يجز تعبيره بالشرط كمكان البيع في بيع العين فإنه لو باع حنطة في السواد على أن يسلمها في المصر لا يجوز العقد ولما أجاز هنا بيان مكان الإيفاء عرفنا أن موضع العقد غير متعين له وهذا بخلاف رأس المال فإنه لما تعين العقد بتسليمه لم يجز تعبيره بالشرط ثم هناك موضع العقد غير متعين ولكن الشرط تسليم رأس المال قبل الافتراق حتى لو مشيا فرسخا ثم سلم إليه رأس المال قبل أن يفارقه كان صحيحا فأما فيما لا حمل له ولا مؤنة فلا خلاف أن بيان مكان الإيفاء ليس بشرط ولكن عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في أظهر الروايتين يجب تسليمه في موضع العقد ; لأنه موضع الالتزام وفي رواية أخرى عنهما يسلم إليه حيث ما لقيه وهو قول أبي حنيفة سواء بينا المكان أو لم نبين ; لأن الشرط الذي ليس بمفيد لا يكون معتبرا والمالية فيما لا حمل له ولا مؤنه لا تختلف باختلاف الأمكنة إنما تختلف لعزة الوجود وكثرة الوجود فأما فيما له حمل ومؤنة تختلف ماليته باختلاف المكان فإن الحنطة والحطب موجود في المصر والسواد جميعا ثم يشتري في المصر بأكثر مما يشتري به في السواد وما كان ذلك إلا لاختلاف المكان وقد بينا أن ما يختلف مالية المسلم فيه باختلافه فإعلامه شرط لجواز العقد وهذا الخلاف في فصول أربعة ( أحدها ) السلم ( والثاني ) إذا باع عبدا بحنطة موصوفة في الذمة إلى أجل يشترط بيان مكان الإيفاء لجواز العقد عند أبي حنيفة وعندهما لا يشترط بيان مكان الإيفاء ( والثالث ) إذا استأجر [ ص: 129 ] دارا بما له حمل ومؤنة دينا في ذمته عند أبي حنيفة - رحمه الله - يشترط بيان مكان الإيفاء وعندهما يتعين موضع الدار للاستيفاء لا موضع العقد ( والرابع ) إذا اقتسما دارا وشرط أحدهما على صاحبه شيئا له حمل ومؤنة فهو على هذا الخلاف ويأتي بيان ذلك في الإجارات والقسمة إن شاء الله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية