الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا أسلم الرجل في كر حنطة ثم أسلم المسلم إليه إلى رب السلم في كر حنطة وأجلهما واحد وصفتهما واحدة أو مختلفة لم يكن أحدهما قصاصا بالآخر إذا حلا وإن تقاصا ) لأن المسلم فيه مبيع فيستحق قبضه بحكم العقد ولا يجوز أن يقضى به دين آخر لأن المستحق بعقد السلم قبض بكيل بعد عقد السلم ولا يحصل ذلك بقضاء دين آخر به فإذا تقاصا منا فلا بد من أن يكون أحدهما قابضا المسلم فيه ويكون دينا عليه وذلك غير جائز ، قال : ( فإن كان أولهما مسلما والآخر قضاء لا يصير أحدهما قصاصا في الحال من قبل أن القصاص عبارة عن المساواة ولا مساواة بينهما ) لأن أحدهما معجل والآخر مؤجل والمعجل خير من المؤجل إلا إذا حل الأجل في السلم فحينئذ يكون أحدهما قصاصا بالآخر ولا بأس بأن يكون قصاصا إذا كان سواء تقاصا أو لم يتقاصا لوجود القبض بكيل بعد عقد السلم وهو قبض المستقرض ألا ترى أن رب السلم لو غصب من المسلم إليه كرا بعد ما حل طعام السلم كان مستوفيا حقه بطريق المقاصة فكذلك إذا استقرض وهذا لأن في باب المقاصة آخر الدينين قضاء من أولهما ولا يكون أول الدينين قضاء عن آخرهما لأن القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه ولهذا في الدين المشترك لو وجب للمدين على أحد الشريكين دين بقدر حصة وصار قصاصا كان للشريك الآخر أن يرجع عليه بنصفه لأنه صار مستوفيا حصته ولو كان دين المديون عليه سابقا على دينهما فصار قصاصا لم يكن لشريكه أن يرجع عليه بشيء لأنه صار بنصيبه قابضا دينا عليه لا مقتضيا إذا ثبت هذا فنقول إذا كان آخر الدينين قرضا فالمسلم إليه بما أوجب له من القرض يصير قاضيا طعام السلم ورب السلم يكون مستوفيا

وإذا كان القرض أولا لم يكن قصاصا وإن تقاضيا به لأن رب السلم يصير قاضيا بطعام السلم ما عليه من القرض ودين السلم يجب قبضه ولا يجوز قضاء دين آخر به فإن كان للمسلم إليه كر حنطة دينا على رجل أو استقرض من [ ص: 169 ] رجل كرا فقال : لصاحب السلم كله فاكتاله رب السلم كيلا واحدا جاز ويصير قابضا لأن القرض لا يشترط فيه الكيل ألا ترى أن المقرض لو استرد ما أقرض ولم يكله كان له أن يتصرف فيه والمستقرض لو قبض ولم يكل كان له أن يتصرف فيه ورب السلم في القبض من المقرض أو المستقرض نائب عن المسلم إليه فكما قبضه تم فيه ملك المسلم إليه قبل أن يكيله ثم إنما يكيله بعد ذلك لنفسه بحكم السلم فلهذا يكفيه كيل واحد بخلاف ما سبق من الشراء فإن المسلم إليه لما اشتراه بشرط الكيل لا يتعين ملكه إلا بالكيل فكان الكيل الأول من رب السلم كتعيين ملك المسلم إليه فلا بد من أن يكيله لنفسه بعد ذلك كيلا مستقبلا

التالي السابق


الخدمات العلمية