الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : رجل اشترى جارية بجاريتين إلى أجل فالعقد فاسد ; لأن الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال ولأن الجنس بانفراده يحرم النساء فإن قبض [ ص: 21 ] الجارية فذهبت عينها عنده من عمله أو من غير عمله فللبائع أن يأخذها ويضمنه نصف قيمتها ; لأن العين من الآدمي نصفه وفوات النصف في ضمان المشترى كفوات الكل ولو هلكت كان عليه ضمان قيمتها سواء هلكت بفعله أو بغير فعله فكذلك إذا ذهب نصفها ، وهذا لأنها صارت مضمونة بالقبض ، والأوصاف تضمن بالقبض ألا ترى أنها تضمن بالغصب فإن الجارية المغصوبة إذا ذهبت عينها عند الغاصب أخذها المغصوب منه مع نصف قيمتها ، ولو فقأ عينها غيره فإن البائع يأخذها ; لأن فسخ العقد فيها مستحق شرعا فما دامت قائمة كان على البائع أن يأخذها ثم يتخير في نصف قيمتها فإن شاء ضمن ذلك الفاقئ ، وإن شاء ضمن المشتري ; لأن بالأخذ ينفسخ العقد فيها ويعود إلى قديم ملك البائع فجناية الفاقئ كانت على ملكه فله أن يضمنه نصف قيمتها ، وإن شاء ضمن المشتري ذلك ; لأنها كانت مضمونة عليه بالقبض بجميع أجزائها فكانت كالمغصوبة في هذا الحكم ، فإن ضمن المشتري يرجع المشتري بذلك على الفاقئ ; لأن ملكه تقرر في ذلك الجزء حين ضمن بدله وهو كالغاصب في ذلك .

وإن ضمن الفاقئ لم يرجع على المشتري بشيء ; لأنه ضمن بجنايته فأما إذا قتلها في يد المشتري قاتل فللبائع أن يضمن المشتري قيمتها ولا سبيل له على القاتل بخلاف المغصوبة فإن المغصوبة إذا قتلها إنسان في يد الغاصب يتخير المغصوب منه إن شاء ضمن الغاصب قيمتها وإن شاء ضمن القاتل بخلاف المشتراة شراء فاسدا في يد المشتري ; لأن المغصوب على ملك المغصوب منه فالقاتل من القاتل جناية على ملكه فيتخير في التضمين إن شاء ضمن الغاصب بالغصب أو القاتل بالقتل وهنا قد صارت الجارية مملوكة للمشتري بالقبض وبالقتل يتعذر فسخ البيع فيها ولا يعود إلى ملك البائع فلهذا تعين حق البائع في تضمين المشتري وليس له أن يضمن القاتل وفي فقء العين ما تعذر فسخ العقد فيها ، وإذا انفسخ العقد فيها بالرد كانت جناية الفاقئ على ملك البائع فلذلك يتخير البائع إن شاء ضمن القاتل بالقتل ، وإن شاء ضمن المشتري بالقبض كما في الغصب ، ثم إذا ضمن البائع المشتري قيمتها في القتل كان للمشتري أن يضمن القاتل قيمتها ; لأنه أتلف ملكه فيها بالجناية فكان له أن يضمنه قيمتها قال : فلو كانت الجارية كما هي غير أنها ولدت ولدين فمات أحدهما أخذ البائع الجارية والولد الباقي ; لأنها في يده كالمغصوبة مستحقة الرد بزوائدها المتصلة والمنفصلة .

وهذا ; لأن الولد متولد من العين ووجوب الرد كان حكما متقررا فيها فيسري إلى الولد ، ولأن ملك الأصل يسري إلى الولد والثابت للمشتري في الأصل كان ملكا مستحق [ ص: 22 ] الإزالة بالرد على البائع فثبت مثله في الولد ، وليس له أن يضمنه قيمة الميت بمنزلة ولد المغصوب إذا مات في يد الغاصب من غير صنعه لم يضمن لانعدام الصنع منه فهذا مثله قال فإن كانت الولادة قد نقصتها وفي الولد الثاني وفاء بجميع ذلك النقصان فلا شيء على المشتري لرده ما ينجبر به النقصان فإن نقصان الولادة يتخير بالولد عندنا ، وقد بينا ذلك في المغصوبة ، وكذلك في المشتراة شراء فاسدا ، والولد الميت صار كأن لم يكن فكأنها ولدت ولدا واحدا قال : وإن لم يكن في الولد الباقي وفاء النقصان فعلى المشتري تمام ذلك ; لأن انجبار النقصان بالولد لصفة المالية ، وإنما ينجبر بقدر مالية الولد وما زاد على ذلك ليس بإزائه ما يجبره فعلى المشتري ضمان ذلك قال وإن كان الميت مات من فعل المشتري أو منعه بعد طلب البائع حتى مات صار المشتري ضامنا بقيمته يردها مع الأم ; لأن الولد إنما لم يكن مضمونا عليه لانعدام الصنع الموجب للضمان فيه وقد وجد ذلك بالإتلاف أو المنع بعد الطلب ثم رد قيمة الولد كرد عينه حتى إذا كان فيها وفي مالية الحي وفاء بالنقصان فلا شيء على المشتري .

وإن لم يكن فيها وفاء بنقصان الولادة فعلى المشتري تمام ذلك ; لأن الانجبار بقدر المالية على ما مر قال : ولو كانت الأم هي الميتة والولدان حيان أخذ البائع الولدين وقيمة الأم يوم قبضه المشترى ، وهكذا القول في كل بيع فاسد ; لأن حق الاسترداد ثابت للبائع في الولدين فلا يسقط ذلك بهلاك الأم كالمغصوبة إذا ولدت ثم ماتت كذلك هنا ، وإن كان ضامنا قيمتها للبائع حين قبضها ; لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وتعذر ردها فيجب ضمان قيمتها والولد تبع فلا يقوم مقام الأصل في حق الرد حتى لا يسقط برد الولدين ضمان قيمة الأم ، وإن كان في ماليتهما وفاء بذلك بخلاف نقصان الولادة فالفائت هناك وصف هو بيع ثم الخلافة هناك باتحاد السبب فإن سبب النقصان والزيادة واحدة وهذا لا يوجد هنا فإن موت الأم لم يكن بالولادة ولو كان بالولادة فالولادة من حيث إنها موت لا توجب الزيادة ولدا ولذا لا ينجبر قدر النقصان بالولدين بعد موت الأم حتى يضمن كمال قيمتها ; لأن هنا لا يحتاج إلى جبر النقصان بعد موت الأم ; لأن الملك يثبت للمشتري بعد القبض على ما ذكرنا وتقرر القيمة عليه من حين قبضها فإذا مات تبين أن ذلك النقصان حاصل في ملك المشتري فلا تقع الحاجة إلى جبر هذا النقصان بالولد بخلاف ما إذا بقيت الأم ; لأنه أمكن فسخ العقد فيها بالرد ، فإن ردها عادت إلى قديم ملك البائع فتبين أن النقصان حصل فوقعت الحاجة إلى انجبار النقصان بخلف قائم مقامه وهو الولد فلهذا افترقا

التالي السابق


الخدمات العلمية