الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 235 ] باب صلاة المسافر

قال : رضي الله تعالى عنه ( وأقل ما يقصر فيه الصلاة في السفر إذا قصد مسيرة ثلاثة أيام ) وفسره في الجامع الصغير بمشي الأقدام وسير الإبل فهو الوسط ; لأن أعجل السير سير البريد ، وأبطأ السير سير العجلة ، وخير الأمور أوسطها ، وهذا مذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وإحدى الروايتين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، وعنه في رواية أخرى التقدير بيوم وليلة ، وهو قول الزهري والأوزاعي رحمهما الله تعالى ، وقال مالك رضي الله تعالى عنه أربعة برد كل بريد اثنا عشر ميلا ، واستدل بحديث مجاهد وعطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان ، وذلك أربعة برد } ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في قول : التقدير بيوم وليلة ، وفي قول : التقدير بستة وأربعين ميلا لحديث مجاهد رضي الله تعالى عنه قال : سألت ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن أدنى مدة السفر ، فقال : أتعرف السويداء فقلت : قد سمعت بها ، فقال : كنا إذا خرجنا إليها قصرنا ، ومن السويداء إلى المدينة ستة وأربعون ميلا ، وقال : نفاه القياس لا تقدير لأدنى مدة السفر لظاهر قوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح } الآية ، فإثبات التقدير يكون زيادة ولكنا نقول : ثبت بالنص أن المراد السفر ، وقد قال في آية أخرى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر } والخارج إلى حانوت أو إلى ضيعة لا يسمى مسافرا ، فلا بد من إثبات التقدير لتحقيق اسم السفر .

وإنما قدرنا بثلاثة أيام لحديثين : أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم { لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها } معناه ثلاثة أيام ، وكلمة فوق صلة كما في قوله تعالى : { فاضربوا فوق الأعناق } وهي لا تمنع من الخروج لغيره بدون المحرم ، وقال صلى الله عليه وسلم : { يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها } فهو تنصيص على أن مدة السفر لا تنقص عما يمكن استيفاء هذه الرخصة فيها ، والمعنى فيه أن التخفيف بسبب الرخصة لما فيه من الحرج والمشقة ، ومعنى الحرج والمشقة أن يحتاج إلى أن يحمل رحله من غير أهله ويحطه في غير أهله ، وذلك لا يتحقق فيما دون الثلاثة ; لأن في اليوم الأول يحمل رحله من غير أهله ، وفي اليوم الثاني إذا كان مقصده يحطه في أهله ، وإذا كان التقدير بثلاثة أيام ففي اليوم الثاني يحمل رحله من غير أهله ، ويحطه في غير أهله ، فيتحقق معنى الحرج ، فلهذا قدرنا بثلاثة أيام ولياليها ولهذا قدر [ ص: 236 ] بعض أصحابنا بثلاث مراحل ; لأن المعتاد من السفر في كل يوم مرحلة واحدة خصوصا في أقصر أيام السنة ، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قدر بيومين والأكثر من اليوم الثالث ، فأقام الأكثر من اليوم الثالث مقام الكمال ، وهكذا رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ; لأنه إذا بكر واستعجل في اليوم الثالث وصل إلى المقصد قبل غروب الشمس فأقمنا الأكثر من اليوم الثالث مقام الكمال ، ولا معنى للتقدير بالفراسخ ، فإن ذلك يختلف باختلاف الطرق في السهول والجبال والبحر والبر ، وإنما التقدير بالأيام والمراحل ، وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه ، فإذا قصد مسيرة ثلاثة أيام قصر الصلاة حين تخلف عمران المصر ; لأنه مادام في المصر فهو ناوي السفر لا مسافر ، فإذا جاوز عمران المصر صار مسافرا لاقتران النية بعمل السفر ، والأصل فيه حديث علي رضي الله تعالى عنه حين خرج من البصرة يريد الكوفة صلى الظهر أربعا ثم نظر إلى خص أمامه فقال : لو جاوزنا ذلك الخص صلينا ركعتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية