الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا قدم الكوفي مكة وهو ينوي أن يقيم فيها وبمنى خمسة عشر يوما فهو مسافر ) ; لأن نية الإقامة ما يكون في موضع واحد ، فإن الإقامة ضد السفر ، والانتقال من [ ص: 237 ] أرض إلى أرض يكون ضربا في الأرض ، ولو جوزنا نية الإقامة في موضعين جوزنا فيما زاد على ذلك فيؤدي إلى القول بأن السفر لا يتحقق ; لأنك إذا جمعت إقامة المسافر المراحل ربما يزيد ذلك على خمسة عشر يوما ، وهذا إذا نوى الإقامة في موضعين بمكة ومنى والكوفة والحيرة ، فإن كان عزم على أن يقيم بالليالي في أحد الموضعين ويخرج بالنهار إلى الموضع الآخر ، فإن دخل أولا الموضع الذي عزم على المقام فيه بالنهار لا يصير مقيما ، وإن دخل الموضع الذي عزم على الإقامة فيه بالليالي يصير مقيما ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا ; لأن موضع إقامة الرجل حيث يثبت فيه ، ألا ترى أنك إذا قلت للسوقي : أين تسكن يقول : في محلة كذا ، وهو بالنهار يكون في السوق ، وكان سبب تفقه عيسى بن أبان هذه المسألة ، فإنه كان مشغولا بطلب الحديث قال : فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة شهرا فجعلت أتم الصلاة فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقال : أخطأت ، فإنك تخرج إلى منى وعرفات ، فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت أن أصاحبه فجعلت أقصر الصلاة فقال لي صاحب أبي حنيفة : أخطأت ، فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تكون مسافرا ، فقلت : أخطأت في مسألة في موضعين ولم ينفعني ما جمعت من الأخبار ، فدخلت مجلس محمد رحمه الله تعالى واشتغلت بالفقه .

قال : ( فإن لم يعزم على الإقامة مدة معلومة ولكنه مكث أياما في المصر وهو على عزم الخروج لا يصير مقيما عندنا ، وإن طال مكثه ) ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه إذا زاد على ثمان عشرة ليلة أتم الصلاة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد الفتح ثمان عشرة ليلة ، وكان يقصر الصلاة ، والقياس أن السفر ينعدم بالمقام ; لأنه ضده تركناه في هذه المدة للنص ، فبقي ما رواه على أصل القياس .

( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أنه أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة } وابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وأنس أقام بنيسابور شهرا يقصر الصلاة ، وعلقمة بن قيس أقام بخوارزم سنين يقصر الصلاة ، ولأنه لو خرج خلف غريم له لم يصر مسافرا ما لم ينو أدنى مدة السفر ، وإن طاف جميع الدنيا فكذلك لا يصير مقيما ما لم ينو المكث أدنى مدة الإقامة ، وإن طال مقامه اتفاقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية