الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن أبي رافع قال : سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الصوغ أصوغه فأبيعه قال وزنا بوزن فقلت : إني أبيعه وزنا بوزن ، ولكن آخذ فيه أجر عمل فقال : إنما عملك لنفسك ، ولا تردد شيئا فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبيع الفضة إلا وزنا بوزن } ، ثم قال يا أبا رافع إن الآخذ والمعطي والشاهد والكاتب شركاء ، وفيه دليل حرمة الفضل ، وأنه لا قيمة للصنعة فيما هو مال الربا فإن عمر رضي الله عنه بين له أنه في الابتداء عمل لنفسه فلا يستوجب الأجر به على غيره ، ثم ما يأخذ من الزيادة عوضا عن الصنعة [ ص: 8 ] ولا قيمة للصنعة في البيع ، ثم بين شدة الحرمة في الربا بقوله : الآخذ والمعطي والكاتب والشاهد فيه سواء أي في المأثم ، وهو نظير ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { لعن الله في الخمر عشرة } ، وقال صلى الله عليه وسلم { الراشي والمرتشي والرايش في النار ، ولعن الله من أعان الظلمة ، أو كتب لهم } والأصل في الكل قوله { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }

وعن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : الذهب بالذهب ، الكفة بالكفة ، والفضة بالفضة ، الكفة بالكفة ، ولا خير فيما بينهما فقلت إني سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ليس في يد بيد ربا فمشى إليه أبو سعيد رضي الله عنه وأنا معه فقال له : أسمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع ؟ فقال : لا ، فحدثه أبو سعيد رضي الله عنه الحديث ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لا أفتي به أبدا } ، وفيه دليل على أن بيع الذهب والفضة بجنسهما إذا اعتدل البدلان في كفة الميزان جاز البيع ، وإن لم يعلم مقدار كل واحد منهما لتيقننا بالمماثلة وزنا ، والمماثلة إذا وزن أحدهما بصاحبه أظهر منه إذا وزن كل واحد منهما بالصنجات ، وفيه دليل رجوع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن فتواه في إباحة التفاضل ، وأن الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انقاد لهم ابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا لأن أبا سعيد رضي الله عنه كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم معروفا بينهم بالعدالة والورع ، وإنما مشى إلى ابن عباس رضي الله عنهما بطريق الخشية لإظهار الشفقة ، وإن كان لو دعاه إلى نفسه لأتاه ، وهذا هو الأحسن للكبير في معاملة من هو أصغر منه وعن عمر رضي الله عنه قال : لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الربا ، وقد نقل هذا اللفظ بعينه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف عليكم الإرباء .

التالي السابق


الخدمات العلمية