الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى بها عبدا فباعه من رب المال بألفي درهم ، ثم باعه رب المال من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف ، ثم اشتراه المضارب من الأجنبي بالألفين اللذين أخذهما من رب المال ثمنا للعبد ، فإنه لا يبيعه مرابحة في قياس قول أبي حنيفة - رحمه الله - أصلا ، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يبيعه المضارب مرابحة على الثمن الأخير الذي اشتراه به من الأجنبي وهو ألفا درهم ، وهذا بناء على ما بينا في كتاب البيوع : أن عند أبي حنيفة يضم بعض العقود إلى البعض ، ثم ينظر إلى حاصل الضمان فيه ، فعلى ذلك يباع مرابحة فهنا الثمن الأول كان ألف درهم فلما باعه المضارب بألفين من رب المال كان المعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف ، وحصة المضارب من الربح وهو خمسمائة ، فلما باعه رب المال بثلاثة آلاف ; فقد ربح فيه ألفا وخمسمائة ، فلا بد من أن يطرح ذلك من رأس المال بعد ما اشتراه المضارب من الأجنبي ليبيعه مرابحة لرب المال على ما بقي ، وإذا طرحت ذلك من رأس المال لم يبق شيء ; فلهذا لا يبيعه مرابحة أصلا ، إلا أن يبين الأمر على وجهه ، وعندهما [ ص: 156 ] لا يعتبر ضم العقود بعضها إلى بعض في المعاملة مع الأجنبي ، فيبيعه مرابحة على ما اشتراه من الأجنبي ، وذلك ألفا درهم .

ولو كان المضارب باع العبد من رب المال بألف وخمسمائة ، ثم باعه رب المال من أجنبي بألف وستمائة ، ثم عمل المضارب بالألف وخمسمائة ، حتى صارت ألفين فاشترى بها العبد من الأجنبي بألف وستمائة ثم عمل المضارب بألف وخمسمائة حتى صارت ألفين فاشترى بها العبد من الأجنبي ، فإن بيعه مرابحة في قولهما على ألفين ، وهو ظاهر .

وأما في قياس قول أبي حنيفة فإنه يبيعه مرابحة على ألف وأربعمائة ; لأن المضارب كان ربح في البيع الأول مائتين وخمسين ، وكان المعتبر رأس المال ، وحصة المضارب من الربح ، فحين باعه رب المال بألف وستمائة فثلثمائة وخمسون من ذلك ربح المال ، فيطرح ذلك من الألفين ، ويطرح أيضا ما ربح المضارب على رب المال ، وذلك مائتان وخمسون درهما ، فإذا طرحت ذلك من الألفين ; يبقى ألف وأربعمائة درهم ، فعلى ذلك يبيعه المضارب مرابحة ، وإنما يطرح ما ربح المضارب على رب المال ; لأنه لو ربح ذلك في معاملته مع الأجنبي بيعا وشراء لكان يطرح ذلك عند أبي حنيفة - رحمه الله - في بيع المرابحة ، فلأن يطرح ذلك عند معاملته مع رب المال أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية