الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من أخذ شبرا من أرض بغير حق طوقه الله من سبع أرضين } قيل : معناه من تطوق في أرض الغير فالموضع الذي يضع عليه القدم بمنزلة شبر من الأرض ، وقيل معناه من نقص من المسناة في جانب أرضه بأن حول ذلك إلى أرض جاره فذلك قدر شبر من الأرض أخذه أو كان أرضه بجنب الطريق فجعل المسناة على الطريق لتتسع به أرضه فهو في معنى شبر من الأرض أخذه بغير حق ، وهو معنى الحديث الذي روي : لعن الله من غير منار الطريق . يعني العلامة بين الأرضين .

وقيل : إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبر على طريق التمثيل للمبالغة في المنع من غصب الأراضي ، وليس المراد به التحقيق ثم في الحديث بيان عظم الماء ثم في غصب الأراضي ، وهو دليل أبي حنيفة رحمه الله في أنه لا ضمان على غاصب الأراضي في الدنيا ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام بين جزاء الآخذ بالوعيد الذي ذكره في القيامة ، ولو كان حكم الضمان ثابتا لكان الأولى أن يبينه ; لأن الحاجة إلى معرفته أمس ثم جعل المذكور من الوعيد جميع جزائه فلو أوجبنا الضمان مع ذلك لم يكن الوعد جميع جزائه [ ص: 169 ] وللفقهاء في معنى مثل هذه الألفاظ طريقين أحدهما الحمل على حقيقته أنه يطوق ذلك الموضع في القيامة ليعرف به ما فعله ، ويكون ذلك عقوبة له كما قال عليه الصلاة والسلام { : لكل غادر لواء يوم القيامة يركز عند باب استه تعرف به غدرته } .

والمراد به بيان شدة العقوبة لا حقيقة ما ذكر من أنه يطوق ذلك الموضع من الأرض يوم القيامة ، فقد قال الله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض } ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال : لا تمنعوا الماء مخافة الكلإ } يريد به أن صاحب البئر إذا كان له مرعى حول بئره فلا ينبغي له أن يمنع من يستقي الماء من بئره لنفسه أو لظهوره مخافة أن يصيب ظهره من ذلك الكلإ ; لأن له في حق الشقة في ماء البئر فلا يمنعه حقه ، ولكن يحفظ جانب أرضه ، وما فيه من الكلإ حتى لا يدخل دابة المستقي في ذلك الموضع ، وإن شق عليه ذلك أخرج إليه من الماء مقدار حاجته ، وحاجة ظهره ، وعن نافع رفع حديثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم { قال : لا تمنعوا أحدا ماء ولا كلأ ولا نارا فإنه متاع للمقوين وقوة للمستعينين } ، والمقوي هو الذي فني زاده ، والمستعين هو المضطر المحتاج .

وقد بينا أن صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام أثبت بين الناس في هذه الأشياء الثلاثة شركة عامة بطريق الإباحة فلا ينبغي لأحد أن يمنع أحدا مما جعله الشرع حقا له .

التالي السابق


الخدمات العلمية