الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( ألا ترى ) أنه لو قال أعطوني من مالي شيئا أتصدق به لم يعط ذلك فالذي يخرج بالحج تطوعا في المعنى ملتمس للزيادة على مقدار نفقته في منزله ليتقرب به إلى ربه ، فلا يعطى ذلك وإن كان موسرا كثير المال وقد كان الحاكم يوسع عليه في منزله بذلك ، فكان فيما يعطيه من النفقة ، فضل عن قوته ، فقال أنا أتكارى بذلك ، وأنفق على نفسي بالمعروف أطلق له ذلك من غير أن يدفع إليه النفقة ولكن يدفعها إلى ثقة ينفقها عليه على ما أراد ; لأن هذا التدبير دليل الرشد ، والصلاح ، وفيه نظر له ، فلا يمنعه القاضي منه ، فإن لم يقدر على الخروج ماشيا ومكث حراما ، فطال به ذلك حتى دخله من إحرامه ذلك ضرورة يخاف عليه من ذلك مرضا ، أو غيره ، فلا بأس إذا جاءت الضرورة أن ينفق عليه من ماله حتى يقضي إحرامه ، ويرجع ; لأن إيفاء ماله لتوفير النظر له لا للإضرار به ، ومن النظر هنا له أن يعطي له ما يحتاج إليه لأداء ما التزمه حتى يخرج من إحرامه ، وكذلك لو أحصر في إحرام التطوع لم يبعث الهدي عنه ; لأنه باشره بسبب التزمه باختياره إلا أن يشاء أن يبعث بهدي من نفقته وإن شاء ذلك لا يمنع منه ; لأنه من باب النظر ، وحسن التدبير ، فإن لم يكن في نفقته ما يقدر على أن يبعث بذلك منه تركه على حاله حتى تأتي الضرورة التي وصفت لك ، ثم يبعث عنه بهدي من ماله يحل به .

وإنما ينظر في هذا إلى ما يصلحه ، ويصلح ماله ; لأن الحجر عليه لصيانة ماله ، فالمقصود إصلاح نفسه ، فينظر في كل شيء من ذلك إلى ما يصلحه ويصلح ماله ، فإذا بلغت المرأة مفسدة ، فاختلعت من زوجها جاز الخلع ; لأن وقوع الطلاق في الخلع يعتمد وجوب القبول لا وجوب المقبول ، وقد تحقق القبول منها ، وكأن الزوج علق طلاقها بقبولها الجعل ، فإذا قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط ، ولم يلزمها المال ، وإن صارت مصلحة ; لأنها التزمت المال لا بعوض هو مال ، ولا لمنفعة ظاهرة لها في ذلك فكان النظر في أن يجعل هذه كالصغيرة في هذا الحكم لا كالمريضة ، فإن كان الزوج طلقها تطليقة على ذلك المال ، فهو يملك رجعتها ; لأن وقوع الطلاق باللفظ الصريح لا يوجب البينونة إلا عند وجوب البدل ، ولم يجب البدل هنا بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع ، فإن مقتضى لفظ الخلع البينونة ، وقد قررنا هذا الفرق في حق الصغيرة في [ ص: 175 ] كتاب الطلاق ، وهذا بخلاف الأمة التي يطلقها زوجها تطليقة على ألف درهم ، وقد كان دخل بها ، فإن الطلاق هناك بائن ; لأن قبول الأمة المال صحيح في حقها حتى يلزمها المال إذا أعتقت ، فلوجوب المال في ذمتها كان الطلاق بائنا وفي المفسدة ، والصغيرة المال لا يجب بقبولها أصلا حتى إذا كانت الأمة مع رقها مفسدة ممن لو كانت حرة لم يجز أمرها في مالها كان الطلاق رجعيا ; لأن التزامها المال لم يصح في حق نفسها حتى لا يلزمها المال إذا أعتقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية