الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو اشترى المأذون من رجل عبدا ونقده الثمن وعليه دين أو لا دين عليه ، ثم أقر أن [ ص: 77 ] البائع أعتق هذا العبد قبل أن يبيعه إياه ، وأنه حر الأصل ، وأنكر البائع ذلك فالعبد مملوك على حاله ; لأن سبب الملك للمأذون فيه قد ظهر وهو شراؤه وانقياد العبد له عند الشراء إقرار منه بأنه مملوك حتى لو ادعى بعد ذلك أنه حر الأصل ، وأن البائع أعتقه لم يقبل قوله فيه إلا بحجة فإقرار المأذون بذلك بعد ظهور سبب الملك له فيه مع إنكار البائع بمنزلة إعتاق مع إياه ، والمأذون لا يملك الإعتاق فلا يقبل قوله فيما يوجب العتاق له ; لأن كل واحد من الكلامين إبطال للملك بعد ظهوره في المحل بظهور سبب بخلاف الأول فالذي ظهر للمأذون هناك اليد في العبد وهو ليس بدليل الملك فيكون كلامه إنكارا لتملكه لا إبطالا للملك الثابت فيه وكذلك لو أقر بالتدبير من البائع أو كانت جارية فأقر بولادتها من البائع ; لأن التدبير ، والاستيلاد يوجب حق العتق للمملوك .

والعبد ليس من أهل إيجابه فلا يصح إقراره به لحقيقة العتق فإن صدقه البائع انتقض البيع بينهما ورجع بالثمن عليه ; لأنهما تصادقا أن البيع كان باطلا بينهما وهما يملكان نقض البيع باتفاقهما بالإقالة فيعمل بعد تصادقهما على بطلانه ويرجع العبد بالثمن عليه ، والحرية أو حق الحرية يثبت للمملوك بعد تصديق البائع من جهته ، والبائع أهل لإيجاب ذلك بأن يشتريه من العبد ، ثم يعتقه بخلاف الأول فهناك البائع منكر ، والبيع بينهما صحيح باعتبار الظاهر فلو ثبتت الحرية أو حقها للمملوك فإنما تثبت من جهة المأذون وهو ليس بأهل لذلك ، ولو أقر المأذون أن البائع كان باعه من فلان قبل أن يبيعه منه وقبضه فلان منه ونقده الثمن وجاء فلان يدعي ذلك فهو مصدق على ذلك ويدفع العبد إلى المقر له ; لأن كلامه إقرار بالملك في العبد للمقر له وهو من أهل أن توجب الملك له فيه بطريق التجارة فيكون قوله مقبولا في الإقرار بالملك له ، وإنما يثبت الملك للمقر له ههنا من جهة العبد بمنزلة ما لو أقر له بالملك مطلقا بخلاف الأول فكلامه هناك إبطال للملك ، والعبد ليس من أهله ، ثم لا يرجع على البائع بالثمن إلا ببينة بقيمتها على ما ادعى أو يقر البائع به أو يأبى اليمين ; لأن إقراره ليس بحجة على البائع ، والبائع مستحق الثمن باعتبار صحة البيع ظاهرا فلا يبطل استحقاقه إلا بالبينة أو بإقراره أو بما يقوم مقام إقراره وهو النكول .

فإن قيل كيف تقبل البينة من المأذون أو يحلف البائع على دعواه وهو مناقض في هذه الدعوى ; لأن إقدامه على الشراء إقرار منه بالملك لبائعه وبصحة البيع فقوله بعد ذلك بخلافه يكون تناقضا .

قلنا لا كذلك بل هذا إقرار منه أن البائع بسبيل من بيعه ; لأنه وكيل المشتري أو بائع له بغير أمر المشتري على أن يجيزه المشتري فإذا أبى أن يجيزه كان له أن يرجع بالثمن عليه فلهذا قبلنا بينته على . [ ص: 78 ] ذلك وحلفنا البائع ; لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلفه عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية