الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : رحمه الله ) وإذا سار الرجل على دابة أي الدواب كانت في طريق المسلمين فوطئت إنسانا بيد أو رجل وهي تسير فقتلته فديته على عاقلة الراكب ، والأصل في هذا أن السير على الدابة في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي فإن الحق في الطريق لجماعة المسلمين وما يكون حقا للجماعة يباح لكل واحد استيفاؤه بشرط السلامة ; لأن حقه في ذلك يمكنه من الاستيفاء ودفع الضرر عن الغير واجب عليه فيقيد بشرط السلامة ; ليعتدل النظر من الجانبين ، ثم إنما يشترط عليه هذا القيد فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن التحرز عنه ; لأن ما يستحق على المرء شرعا يعتبر فيه الوسع ولأنا لو شرطنا عليه السلامة عما لا يمكن التحرز عنه تعذر عليه استيفاء حقه ; لأنه لا يمتنع من المشي ، والسير على الدابة مخافة أن يقتل بما لا يمكن التحرز عنه فأما ما يستطاع الامتناع عنه لو شرطنا عليه صفة السلامة من ذلك لا يمتنع عليه استيفاء حقه ، وإنما يلزمه به نوع احتياط في الاستيفاء إذا عرفنا هذا ، فنقول : التحرز عن الوطء على شيء في وسع الراكب إذا أمعن النظر في ذلك ، فإذا لم يسلم كان جانيا وهذه جناية منه بطريق [ ص: 189 ] المباشرة ; لأن القتل إنما حصل بفعله حين كان هو على الدابة التي وطئت فتجب عليه الكفارة وعلى عاقلته الدية ، وإن نفحته برجلها وهي تسير فلا ضمان على الراكب لقوله عليه السلام { الرجل جبار } أي هدر .

والمراد نفحة الدابة بالرجل وهي تسير وهذا لأنه ليس في وسعه التحرز من ذلك ; لأن وجه الراكب أمام الدابة لا خلفها ، وكذلك النفحة بالذنب ليس في وسعه التحرز عن ذلك وقال ابن أبي ليلى هو ضامن لجميع ذلك وقاس الذي يسير على الدابة بالذي أوقف دابته في الطريق فنفحت برجلها ، أو يدها فكما أن هناك يجب ضمان الدية على عاقلته فكذلك هنا ، ولكنا نقول في الفرق بينهما هو ممنوع من إيقاف الدابة على الطريق ; لأن ذلك مضر بالمارة ولأن الطريق ما أعد لإيقاف الدواب فيه فيكون هو في شغل الطريق بما لم يعد الطريق له متعديا ، والمتعدي في التسبب يكون ضامنا ; فلهذا يسوى فيه بين ما يمكن التحرز عنه وبين ما لا يمكن وهذا لأنه إن كان لا يمكن التحرز عن النفحة بالرجل ، والذنب ، فهو يمكنه التحرز عن إيقاف الدابة بخلاف الأول فإن السير على الدابة في الطريق مباح له ; لأن الطريق معد لذلك ولأنه لا يضر بغيره ، وهو محتاج إلى ذلك فربما لا يقدر على المشي فيستعين بالسير على الدابة ، وإذا لم يكن نفس السير جناية قلنا لا يلزمه ضمان ما لا يستطاع الامتناع منه .

( ألا ترى ) أن الماشي في الطريق لا يكون ضامنا لما ليس في وسعه الامتناع منه بخلاف الجالس ، والنائم في الطريق ولو كدمت ، أو صدمت ، أو خبطت ، أو ضربت بيدها إنسانا ، وهو يسير عليها فذلك كله مما يمكن التحرز عنه فيكون موجبا للدية على عاقلته بمنزلة ما لو وطئت إلا أن هذه الأسباب لا تلزمه الكفارة عندنا ; لأن الكفارة جزاء مباشرة القتل فلا تجب بالتسبب على ما نبينه ، وإن ضربت بحافرها حصاة أو نواة ، أو حجرا ، أو شبه ذلك فأصاب إنسانا وهي تسير فلا ضمان عليه ; لأن هذا لا يمكن التحرز عنه ، فهو بمنزلة التراب ، والغبار المنبعث من سنابكها إذا فقأ عين إنسان إلا أن يكون حجرا كبيرا فيضمن ; لأن ذلك مما يستطاع الامتناع منه ، وإنما ينبعث الحجر الكبير بخرق منه في السير .

التالي السابق


الخدمات العلمية