الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الوصية في العين والدين على بعض الورثة

( قال رحمه الله ) وإذا كان لرجل مائة درهم عينا ومائة درهم دينا على أحد ابنيه فأوصى لرجل بثلث ثم مات ولم يدع وارثا غير ابنيه ولا مالا غير هاتين المائتين وللموصى له بثلث المال نصف المائة العين وفي تخريج المسألة طريقان أحدهما أن الموصى له بالثلث شريك [ ص: 145 ] الوارث وحقه في سهم وحق الابنين في سهمين إلا أن المديون مستوف حقه مما عليه فيطرح سهم لأن عليه مثل حقه والزيادة ويبقى في العين حق الذي لا دين عليه وحق الموصى له بالثلث وحق كل واحد منهما في سهم فلهذا تقسم العين بينهما نصفين والثاني أن الدين في حكم التاوي فلا يعتبر في القسمة ولكن تقسم العين بين الابنين والموصى له بالثلث أثلاثا إلا أن نصيب الابن المديون لا يسلم له لأن عليه للآخرين هذا القدر وزيادة ويستوفيان هذا القدر قضاء مما لهما عليه فإن صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال المديون أخذه وحقهما سواء قبله فيقتسمان هذا الثلث بينهما نصفين فعلى الطريقين يسلم للآخرين الذي لا دين عليه خمسه وتبين أن السالم للمديون مما عليه مثل هذا لأن ذلك القدر تعين من الدين فإذا ضممته إلى العين صار المال خمسة عشر درهما وقد نفذنا الوصية في مثلها خمسة وقد ذكرنا بعض طرق الحساب في هذه المسألة في كتاب الوصايا ولا نشتغل بإعادة تلك الطريق هاهنا فإن من سلك طريق الورع من أصحابنا لا يستحسن الاشتغال بتلك الطريق وقد أشرنا إلى بعض ذلك في حساب الوصايا .

ولو كان أوصى بربع ماله كان للموصى له المائة العين أما على طريق الأول فلأنك تحتاج إلى حساب ينقسم ثلاثة أرباعه نصفين وأقل ذلك ثمانية للموصى له سهمان ولكل ابن ثلاثة ثم يطرح نصيب الابن المديون ، ويضرب للابن الآخر في العين بثلاثة والموصى له بسهمين فكانت القسمة بينهما على خمسة وعلى الطريق الآخر الموصى له بالربع يسلم له ربع العين وثلاثة أرباعه بين الابنين نصفين نصيب الابن المديون من العين سبعة وثلاثون ونصف ولكن لا يسلم له بل يستوفيان قضاء مما لهما قبله وحقهما قبله أخماسا فيستوفيان هذا القدر بينهما أخماسا ففي الحاصل يسلم للموصى خمسا العين أربعون درهما وللابن ستون ويتعين من الدين مثل ذلك فيكون جملة المال مائة وستين وقد نفذنا الوصية في ربعها أربعين إلى أن ينسب خروج ما بقي من الدين فيمسك الابن المديون بمقدار حصته وذلك خمسة وستون فيؤدي خمسة وعشرين فيقسم بين الموصى له والابن الآخر أخماسا خمساه للموصى له وذلك عشرة فإذا ضمه إلى أربعين يسلم له خمسون كمال الربع ويسلم لكل ابن خمسة وسبعون .

ولو كان أوصى بخمس ماله فالمائة العين بين الابن الذي لا دين عليه والموصى له أثلاثا لأن أصل الحساب من خمسة للموصى له سهم وهو الخمس ولكل ابن سهمان ثم يطرح نصيب الابن المديون فيضرب كل واحد من الآخرين في العين بسهام حقه [ ص: 146 ] فيكون بينهما أثلاثا لهذا وعلى الطريق الآخر يأخذ الموصى له خمس العين وذلك عشرون ولكل ابن نصف ما بقي وذلك أربعون إلا أنه لا يسلم للمديون نصيبه ولكن الآخرين يأخذان ذلك قضاء مما لهما قبله وحقهما قبله أثلاثا فيقسمان هذه الأربعين بينهما للموصى له بثلاثة عشر وثلث إذا ضمه إلى العشرين يكون ثلاثة وثلاثين وثلثا وذلك ثلث المائة ، وللابن ستة وستون وثلثان ، وقد نفذنا الوصية في خمس ذلك ثلاثة وثلاثين وثلثا فإذا تيسر خروج ما بقي من الدين أمسك المديون كمال حقه مما عليه من الدين ، وذلك ثمانون فأدى عشرين فاقتسمه الموصى له والابن الآخر أثلاثا للموصى له من ذلك ستة وثلثان فإذا ضمه إلى ما كان أخذه كانت الجملة أربعين درهما ، وذلك خمس المائتين ، وعلى هذا لو أوصى بثلث العين وثلث الدين فهي بمنزلة الوصية بثلث المال في التخريج إلا أن ما يسلم للموصى له هاهنا يكون مقدما في التنفيذ باعتبار أنه يوصي بالعين ، وفيما تقدم هو شريك الوارث باعتبار أن الوصية له كانت بثلث المال مرسلا ، وقد بينا هذا الفرق .

وكذلك لو أوصى بربع العين والدين فهو نظير ما تقدم في التخريج إلا أن هاهنا الموصى له يأخذ نصف العين بخلاف ما إذا كان أوصى له بربع المال لأنا نعلم أنه تعين من الدين قدر الربع وزيادة ، وحق الموصى له مقدم هاهنا في التنفيذ من ثلث المال فجميع وصيته هاهنا تخرج من ثلث المتعين من المال لأن وصيته بقدر خمسين درهما ربع المالين ، وقد تعين من الدين هذا المقدار باعتبار أن الابن المديون يصير مستوفيا بقدر حصته مما عليه فإذا أخذ الموصى له نصف العين وسلم الابن الذي لا دين عليه نصف العين ظهر أن المتعين من الدين مثل ذلك فإن حق الاثنين في التركة سواء فإن ظهر أن المتعين من الدين مقدار خمسين تبين أن وصية الموصى له ما جاوز من الثلث فلهذا يعطي جميع حقه مقدما على حق الوارث بخلاف ما تقدم فهناك إنما أوصى له بربع المال فهو بهذه الوصية يكون شريك الوارث بربع المال فلهذا لا ينفذ جميع وصيته من القدر المتعين من المال واستوضح هذا الفرق بما لو كان الدين على رجل آخر فأوصى بربعه لإنسان ثم خرج من الدين عشرة أو عشرون فإن ذلك كله يسلم له للموصى له بربع الدين ، ويكون حقه في ذلك مقدما على حق الوارث بخلاف ما إذا كانت الوصية له بربع المال ، وعلى هذا لو كانت الوصية بخمس العين والدين استوفى الموصى له جميع حقه من العين ، وذلك أربعون درهما لأنه قد تعين من دينه مقدار حقه والزيادة ، وحقه فيما تعين مقدم على حق الورثة ، وجميع وصيته دون ثلثي ما تعين فلهذا يأخذ جميع حقه من [ ص: 147 ] المال العين .

ولو كان أوصى بثلث ماله لرجل ، وبربع ماله لآخر فالقول أن الوصيتين جاوزتا الثلث فيعزل لتنفيذهما ثلث المتعين من المال ، وذلك خمسون درهما نصف العين ثم يقسم ذلك بين الموصى لهما على سبعة أسهم لأن الموصى له بالثلث يضرب بثلث ما تعين ، وذلك خمسون . والموصى له بالربع يضرب بما تعين ، وذلك سبعة وثلاثون ونصف فإذا جعلت تفاوت ما بين الأكثر والأقل ، وهو اثنا عشر درهما ونصف بينهما يكون حق صاحب الثلث أربعة أسهم ، وحق صاحب الربع ثلاثة فلهذا قسم نصف العين بينهما على سبعة إلا أن يتيسر خروج ما بقي من الدين فحينئذ يمسك المديون كمال حقه ، وذلك ستة وستون وثلثان ، ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا فيأخذ الابن الذي لا دين عليه نصفها ، ويقسم نصفها بين الموصى لهما على سبعة أسهم كما ذكرنا في القسمة الأولى .

وإن قسمته على طريق السهام قلت قد انكسرت المائة بالأثلاث والأرباع فيحتاج إلى حساب له ثلث وربع ، وذلك اثنا عشر فالموصى له بالثلث يضرب بالثلث ، وهو أربعة والموصى له بالربع يضرب بثلاثة فتكون القسمة على ما يسلم لهما بينهما على سبعة .

ولو كان أوصى بثلث ماله وخمسه كان نصف العين بين الموصى لهما على ثمانية لأن حق صاحب الثلث في كل عشرة دراهم سهم يكون حق صاحب الثلث في خمسين خمسة أسهم ، وحق صاحب الخمس ثلاثة فلهذا يقسم محل الوصية بينهما على ثمانية ، وعلى الطريق الآخر يحتاج إلى حساب له خمس فخمسه ثلاثة فتكون القسمة بينهما على ثمانية .

ولو كان أوصى بثلث ماله وربعه وخمسه كان نصف العين بينهم على خمسة وأربعين سهما عشرين منها لصاحب الثلث ، وخمسة عشر لصاحب الربع واثنا عشر لصاحب الخمس لأن صاحب الثلث يضرب بخمسين ، وصاحب الربع خمسة عشر سهما ، وحق صاحب الخمس اثنا عشر سهما فيضرب كل واحد منهم في محل الوصية بسهام حقه ، وعلى طريق السهام يحتاج إلى حساب له ثلث وربع وخمس ، وذلك بأن نضرب ثلاثة في أربعة ثم في خمسة فتكون ستين للموصى له بالثلث ثلاثة وعشرون ، وللموصى له بالربع ربعه خمسة عشر ، وللموصى له بالخمس خمسه اثنا عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت سبعة وأربعين سهما

التالي السابق


الخدمات العلمية