الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وهل عبيده كذلك أو تلغى كالنفقة تأويلان )

                                                                                                                            ش : يشير إلى ما قاله في التوضيح .

                                                                                                                            ( فرع ) وأما عبيد القراض فيخرج زكاة فطرهم ابن حبيب وهي كالنفقة ، ورأس المال هو العدد الأول ، قال : وأما الغنم فمجمع عليها في الرواية عن مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال من هذه الغنم لا من غيرها ، وتطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس المال ، قال : وهي تفارق زكاة الفطر ; لأن هذه تزكى من رقابها ، والفطرة مأخوذة من غير العبيد ابن يونس ، واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا فقال أكثرهم وفاقا للمدونة وظهر لي أنه خلاف ، والدليل على ذلك مساواة الإمام أبي محمد بين ماشية القراض وعبيده في المختصر والنوادر ، انتهى ، فكلام المصنف في المختصر والتوضيح يدل على أن شيوخ المدونة اختلفوا في زكاة الفطر عن عبيد القراض هل هي محسوبة على رب المال كزكاة ماشيته ، فيكون قول ابن حبيب خلافا ، أو زكاة فطرهم ملغاة كالنفقة بناء على أن قول ابن حبيب وفاق ، وهذا غير صحيح ; لأنه صرح في المدونة في باب زكاة الفطر بأن زكاة الفطر عن عبيد القراض على رب الدين خاصة ، ونصها : وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال خاصة ، وأما نفقتهم فمن مال القراض ، انتهى

                                                                                                                            فهذا صريح لا يقبل التأويل ، وإنما التأويلان في زكاة ماشية القراض فهل يزكيها ربها منها أم من ماله ؟ فتقدم في كلام ابن حبيب أنه يزكيها منها ، فقال ابن يونس : اختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا هل هو وفاق أو خلاف ونصه في كتاب الزكاة الثاني قال مالك : ومن أخذ مالا قراضا فاشترى به غنما فتم حولها وهي بيد المقارض فزكاتها على رب المال في رأس ماله ولا شيء على العامل ، قال أبو بكر : قال أبو محمد : وكذلك زكاة الفطر عن عبيد القراض فساوى بين عبيد القراض وبين الماشية وهو ظاهر المدونة ; لأنه قال في باب زكاة الفطر ، وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال في رأس ماله وليس من مال القراض ، فأما نفقتهم فمن مال القراض ، ونحوه في كتاب ابن المواز ، وظاهر ذلك المساواة بين الماشية وعبيد القراض ، وأن ذلك على رب المال في رأس ماله وليس في مال القراض ، وقال ابن حبيب في عبيد القراض : إن زكاتهم كالنفقة تلغى ، ورأس المال هو العدد الأول ، قال : وأما في الغنم فمجمع عليها في الرواية عن مالك من المدنيين والمصريين أن زكاتها على رب المال من هذه الغنم لا من غيرها وتطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المال ويكون ما بقي رأس مال

                                                                                                                            قال وهي تفارق زكاة الفطر ; لأن هذه تزكى من رقابها [ ص: 327 ] والفطرة مأخوذة من غير العبيد ابن يونس واختلف أصحابنا في قول ابن حبيب هذا ، فقال أكثرهم هو وفاق للمدونة وظهر لي أنه خلاف لما في المدونة والدليل على ذلك مساواة الإمامأبي محمد في المختصر والنوادر ولا مدخل للتأويل في كلامه مع ما يساعده من ظاهر المدونة وكتاب محمد والقياس ، وذلك إن اتفقنا أن المقارض إذا شغل بعض المال لم يكن لربه أن ينقص شيئا منه إذ عليه عمل العامل فله شرطه ولا خلاف أعلمه بين أصحابنا في هذا فإذا ترك الساعي رب المال وأخذها من العامل كان النقص من المال بعد إشغاله فإن قيل : إنه إذا أداها رب المال من عنده كان ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال وذلك لا يجوز ، قيل : إنما الزيادة التي لا تجوز ما وصل ليد العامل وانتفع به ، وهذا لا يصل إلى يده ، ولو كان ذلك زيادة في القراض لكان في زكاة الفطر عن عبيد القراض زيادة فإن قيل : إن الغنم زكاتها من رقابها فلذلك أخذ منها ، والعبيد زكاتهم من غيرهم فلذلك أخذ من رب المال ، قيل : والدنانير زكاتها منها فيلزمك أن تقول : إذا كان رب المال يدير والعامل لا يدير وبيده سلع ومال عين أن يزكي عن العين من مال القراض ، وهذا خلاف النص فقد قال محمد وغيره : إن زكاة ذلك على رب المال يقوم ما بيد العامل ويزكي من عنده ولا يزكي العامل ما بيده إلا بعد المفاصلة لعام واحد وأيضا يلزمك أن تكون زكاة الشنق على رب المال ; لأن زكاتها من غيرها فإن قلت ذلك فقد خالفت ابن حبيب وانفردت بذلك

                                                                                                                            وإن قلت على العامل فقد نقصت حجتك أن كل ما يزكى من غيره فهو على رب المال وأيضا فإنا نقول : الشاة المأخوذة عن الأربعين زكاة عن رقابها ، والفطرة زكاة عن رقاب العبيد فاستويا ووجب أن تكون زكاتها على من له الرقبة والمقارض ليس له شيء في الرقاب ، وإنما الذي يأخذه كإجارة فلا ينبغي أن يكون عليه من زكاة الرقبة شيء فإن قلنا " إذا سقطت قيمة الشاة من أصل مال القراض لم يدخل على العامل في ربحه نقص " قيل : يدخل عليه ذلك إذا حالت أسواق الغنم بزيادة بعد ذلك ، وهذا كله إذا كان رب المال والمقارض بحضرة الساعي ، وأما إن غاب رب المال والمقارض فللساعي أخذ الشاة من العامل ، إذ قد لا يجيب رب المال فيؤدي إلى إسقاط الزكاة فإذا أخذها سقطت قيمة الشاة من مال القراض وكان ما بقي رأس المال ، ويكون أخذ الشاة كالاستحقاق ، ولا يجوز لرب المال أن يدفع قيمة الشاة إلى العامل ، فيكون ذلك زيادة في القراض بعد إشغال المال ويكون القول في هذا ما قاله ابن حبيب لما يدخل على الساعي من الضرر من مطالبة رب المال ، انتهى . وقال ابن عرفة : وعلى الثاني - يعني على القول الثاني - بأن الزكاة على رب القراض إن غاب ربه أخذه منها وإلا ففي كونه كذلك أو من مال ربه نقل ابن حبيب عن رواية المصريين والمدنيين وأكثر أصحاب مالك والصقلي عن ظاهرها مع نقله عن ظاهر قولي الشيخ ومحمد ، انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية