الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والمميز بإذنه وإلا فله تحليله )

                                                                                                                            ش : يعني أن الصبي المميز يحرم عن نفسه لكن بإذن وليه فإن أحرم بغير إذن وليه انعقد إحرامه وكان للمولى - تحليله منه وله إجازة فعله وإبقاؤه على إحرامه بحسب ما يرى من المصلحة ، فإن كان يرتجى بلوغه فالأولى تحليله ليحرم بالفرض بعد بلوغه [ ص: 482 ] فإن أحرم بإذنه لم يكن له تحليله ، قال الشارح : وانظر إذا أراد الرجوع بعد الإذن وقبل الإحرام هل له ذلك كما في العبد أم لا ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) الظاهر أن له الرجوع كالعبد بل هو أولى لا سيما إذا كان لمصلحة .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) فهم من هذا أن إحرامه بغير إذن وليه منعقد وأن تحليله جائز ، أما الأول فقال سند : الصبي يصح حجه فإن كان مميزا أذن له وليه فأحرم وصح إحرامه وإن كان صغيرا أحرم عنه وليه فيصير الصبي محرما بما ينويه وليه من حج أو عمرة ، فإن كان الصبي مميزا فأحرم من غير إذن وليه فهل ينعقد إحرامه ؟ قال مالك في العتبية والموازية في الرجل المولى عليه يحرم بالحج : إن ذلك من السفه لا يمضي . وظاهر هذا أنه لا ينعقد وقال أشهب في الموازية : إذا أحرم العبد فحلله سيده ثم أعتق أو حلل الصبي وليه ثم بلغ فليحرما الآن بالحج ويجزيهما عن حجة الإسلام وهذا يقتضي انعقاد إحرامه ، وإنما للولي النظر في إمضائه ورده وهو الأظهر ; لأنه تنعقد صلاته واختلف في هذا الفرع أصحاب الشافعي انتهى .

                                                                                                                            ولم يفهم الشيوخ رواية العتبية كما فهمها القاضي سند كما سيأتي الآن ، وأما الثاني وهو جواز التحليل ، فقال ابن عبد السلام : تأمل هل يجوز له أن يحلله ؟ وأي فائدة في تحليل الصبي إذا حصل هناك بعد أن أحرم إلا أن يخشى من تماديه على الإحرام أن يدخل على نفسه ما يوجب عليه فدية أو جزاء فإن صح هذا وجب أن يلحق به السفيه البالغ ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : وللسيد تحليل ذي رق أحرم بغير إذنه ، وشك ابن عبد السلام في جواز تحليل الصبي والكبير السفيه قصور ; لقبول الصقلي والشيخ قول أشهب : لو عتق أو بلغ عقب تحليله سيده أو وليه فأحرم لفرضه أجزأه ، وسماع ابن القاسم إحرام المولى عليه سفه لا يمضي وقبله الشيخ ، وتعلله ابن رشد بأنه قبل انتهاء الحج وميقاته بعيد ، انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال البساطي : والمميز هو الذي عقل الصلاة والصيام ، وقال ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير : حقيقة المميز أنه هو الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ولا ينضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الإفهام انتهى ، وهو كلام حسن ونحوه لابن فرحون .

                                                                                                                            ( الثالث ) لم يبين المصنف من أين يحرم ; لأن الأصل في الإحرام أن يكون من الميقات وقد تقدم في كلام المدونة أنه يحرم من الميقات .

                                                                                                                            ( الرابع ) هل ينعقد إحرام المميز بإحرام وليه عنه كما في غير المميز ؟ لم أر فيه نصا ، وللشافعية قولان والأصح عندهم الانعقاد والجاري على المذهب أنه لا ينعقد ; لأن القاعدة أن كل فعل يمكن الصبي فعله فلا يفعله الولي عنه ولا شك أن المميز يمكنه مباشرة الإحرام فلا يصح أن يفعله الولي عنه ، فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ولا قضاء بخلاف العبد )

                                                                                                                            ش : يعني أن الصبي إذا أحرم بغير إذن وليه فحلله الولي من ذلك الإحرام فلا يجب عليه قضاؤه لا قبل البلوغ ولا بعده بخلاف العبد فإن عليه قضاء ما حلله منه سيده في حال الرق إن أذن له السيد في القضاء وإن لم يأذن فإذا عتق ; قال في الشامل : ويقدم حجة القضاء على الفريضة ونصه : وعليه القضاء إذا أعتق على المشهور بخلاف الصبي وقدمه على الفرض خلافا لأشهب انتهى . وقوله : خلافا لأشهب ، راجع لقوله : وعليه القضاء لا لقوله : وقدمه وتبع صاحب الشامل في الجزم بتقديم حجة القضاء على الفرض الشيخ زروق في شرح الإرشاد فقال : وعليه القضاء إذا أعتق على المشهور بخلاف الصبي ويقدمه على الفرض خلافا لأشهب انتهى .

                                                                                                                            وكذا جزم ابن الأقطع في منسكه بأنه يقدم حجة القضاء على الفرض وهو ظاهر كلام التوضيح وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لذلك في فصل الموانع وما ذكره المصنف من وجوب القضاء على العبد هو قول ابن القاسم . وقال أشهب وسحنون : لا قضاء عليه كالصبي ، واختاره ابن المواز والتونسي اللخمي والأول هو المشهور والفرق بين الصبي والعبد أن الصبي ليس من أهل [ ص: 483 ] التكليف بخلاف العبد والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية