الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            مسألة قال في كتاب كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة : ولم أقف على اسم مؤلفه ولكنه متأخر جدا فإنه كان ينقل عن الشيوخ الذين أدركتهم كالشيخ زكريا والشيخ كمال الدين بن حمزة الدمشقي قال ما نصه : وأجاز بعض المتأخرين كالسبكي والبارزي وبعض المتقدمين من الحنابلة كابن عقيل تبعا لعلي بن الموفق .

                                                                                                                            وكان في طبقة الجنيد وكأبي العباس محمد بن إسحاق السراج من المتقدمين إهداء ثواب القرآن له صلى الله عليه وسلم الذي هو تحصيل الحاصل من كلام السبكي الذي سقناه قريبا وابن عبد السلام مع ما يأتي من كلام المانعين وقال الزركشي في شرح المنهاج : كان بعض من أدركناه يمنع منه لأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلى آخر لفظه قال الزركشي : وكذلك اختلفوا في الدعاء له بالرحمة وإن كان في معنى الصلاة لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة وقال ابن قاضي شهبة في شرحه كان الشيخ تاج الدين القروي يمنع منه إلى آخر كلامه ثم قال ابن قاضي شهبة وهو المختار والأدب مع الكبار من الأدب والدين وأعمال الأمة من الواجبات والمندوبات في صحيفته صلى الله عليه وسلم وذكر ابن الحاج الحنبلي في اختيارات ابن تيمية أن إهداء القرب له صلى الله عليه وسلم وهي أعم من القرآن وغيره لا يستحب بل هو بدعة وأنه الصواب المقطوع به .

                                                                                                                            ونقل عن ابن مفلح في فروعه أنه قال : لم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى موتى المسلمين بل كانوا يدعون لهم فلا ينبغي الخروج لهم ولم يره من له أجر العامل كالنبي صلى الله عليه وسلم ومعلم الخير بخلاف والد الشخص فإن له أجرا كأجر الولد لأن العامل يثاب على إهدائه فيكون له أيضا مثله كما في الحديث الصحيح { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له } قال : وأقدم من بلغنا أنه فعل ذلك علي بن الموفق وأنه كان أقدم من الجنيد وأدرك الإمام أحمد وطبقته وعاصره وعاش بعده وأصحابنا إنما قالوا : إنه في طبقة الجنيد

                                                                                                                            وسئل الشيخ عماد الدين بن العطار تلميذ النووي - رحمهما الله هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم [ ص: 545 ] وهل فيه أثر ؟ فأجاب بما هذا لفظه : أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به بل ينبغي أن يمنع منه لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم وجميع أعمال أمته في ميزانه وقد أمرنا الله بالصلاة عليه وحث صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمرنا بسؤال الوسيلة والسؤال بجاهه فينبغي أن يتوقف على ذلك مع أن هدية الأدنى للأعلى لا تكون إلا بالإذن انتهى كلامه .

                                                                                                                            قال صاحبنا الشيخ شمس الدين السخاوي تلميذ شيخنا قاضي القضاة ابن حجر في مناقبه التي أفردها أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب هذا مخترع من متأخري القراء لا أعلم لهم سلفا فيه وقال الشيخ زين الدين عبد الرحمن الكردي في كتاب النصيحة وقع السؤال عن جواز إهداء القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم والجواب أن ذلك شيء لم يرو عن السلف فعله ونحن بهم نقتدي وبذلك نهتدي ثم توسع في المسألة وليته اقتصر على كلامه الأول لكنه قال : وأجاب بعضهم بجوازه بل استحبابه قياسا على ما كان يهدى إليه في حياته من الدنيا وكما طلب الدعاء من عمر وحث الأمة على الدعاء بالوسيلة عند الأذان وعلى الصلاة عليه ثم قال : وإن لم تفعل ذلك فقد اتبعت وإن فعلت فقد قيل به وقال الشيخ زين الدين خطاب

                                                                                                                            هذه المسألة لا توجد في كلام المتقدمين من أئمتنا وأكثر المتأخرين منع من ذلك وقال الشيخ نجم الدين القاضي بن عجلون قد توسع الناس في ذلك وتصرفوا في التعبير عنه بعبارات متقاربة في المعنى كقولهم في صحيفته صلى الله عليه وسلم : أو نقدمها إلى حضرته أو زيادة في شرفه وقد تقترن بذلك هيئات تخل بالأدب معه صلى الله عليه وسلم وما ألجأهم إلى ارتكاب ذلك مع أن جميع حسنات الأمة في صحيفته وقد قال صلى الله عليه وسلم { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } .

                                                                                                                            قال : فالذي ينبغي ترك ذلك والاشتغال بما لا ريب فيه كالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وغير ذلك من أعمال البر المأثورة في الشرع فإنها بحمد الله كثيرة وفيها ما يغني عن الابتداع في الدين والوقوع في الأمور المختلف فيها ، وقال الشيخ كمال الدين بن حمزة الحسني الشافعي ابن أخت الشيخ نجم الدين المذكور وقد سئل عن شخص عارض ما أفتى به خاله المشار إليه إن ذلك يجوز إهداء الثواب على الوجه المذكور بدعة ولا خلاف فيه وإنما الخلاف بين العلماء في أنه من البدع الجائزة أم لا وحيث كان الأمر كذلك اتجه ما أفتى به شيخنا الشيخ نجم الدين المشار إليه فإن من القواعد المقررة أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح فإذا دار الأمر بين المنع والجواز فالأحوط الترك .

                                                                                                                            ومن ثم قال الصوفية : إذا خطر لك أمر فزنه بالشرع فإن شككت فيه هل هو مأمور به أو منهي عنه ؟ فأمسك عنه انتهى .

                                                                                                                            ثم قال صاحب الكتاب : والمشهور من مذهب إمامنا الشافعي وشيخه مالك والأكثرين كما قاله النووي في فتاويه وفي شرح مسلم أنه لا يصل ثواب القراءة للميت قال بعض المفتين : فإهداء من لا يعتقد الوصول عبث مكروه ثم تكلم على إهداء القراءة للميت وذكر كلام النووي في شرح مسلم وفي الأذكار ثم ذكر عن الشيخ بهاء الدين الحواري بضم الحاء المهملة وتشديد الواو المفتوحة وكسر الراء منسوب إلى قرية حواران كما ضبطناه وآخرها راء مفتوحة مهملة وياء مقصورة أنه سئل عمن يقرأ الفاتحة عقب السماع مرات لجماعة وآخر الكل يسألها له صلى الله عليه وسلم فقال : المشهور من مذهب الشافعي أن ثواب القراءة لا يصل إلى الميت قال : وهو محمول على ما إذا نوى القارئ بقراءته أن تكون عن الميت وأما النفع فينتفع الميت بأن يدعو له عقبها أو يسأل جعل أجره [ ص: 546 ] له أو يطلق على المختار عند النووي وغيره لنزول الرحمة على القارئ ثم تنشر ولهذا تصح الإجارة على القراءة عند القبر لحصول النفع بها ولا يقال كما قال ابن عبد السلام أنه تصرف في الثواب غير مأذون فيه لأن التصرف الممنوع ما يكون بصيغة جعلته له أو أهديته له أما الدعاء بجعل ثوابه له فليس تصرفا بل سؤال لنقل الثواب إليه ولا منع فيه وأما إهداء الثواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الشيخ تاج الدين الفزاري يمنع منه ثم ذكر الزركشي والقاضي تقي الدين بن شهبة ثم قال : وجوزه بعض المتأخرين وهو السبكي ثم قال : وأما سؤال الفاتحة له فينبغي أن يمنع منه جزما لما لا يخفى انتهى كلامه .

                                                                                                                            فهؤلاء الجماعة كلهم قالوا بالمنع من هذا وذكروا تعليله ودليله حتى من أفتى من الشافعية بالجواز وفصل وحصل وما بقي بعد هذا شيء والله الهادي الموفق انتهى كلام صاحب المولد وكلام ابن السبكي وابن عبد السلام الذي أشار إليه في أول كلامه يعني به ما ذكراه من أن أعمال أمته صلى الله عليه وسلم كلها في صحيفته والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية