الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو صد والبقاء لقابل )

                                                                                                                            ش : .

                                                                                                                            يعني وكذلك يكون للأجير بحساب ما سار إذا صد في أثناء الطريق واعلم أن الأجير إذا صد لا يخلو إما أن يكون بأجرة معلومة أو على البلاغ أو على الجعالة فإن كان بأجرة معلومة فلا يخلو أيضا أن يستأجر ليحج في عام معين أو لم يعين العام فإن لم يعين العام فله فسخ الإجارة للعذر سواء أحرم أو لم يحرم وله بحساب ما سار وله البقاء إلى قابل أو يتحلل ثم يقضيه والأجرة في ذلك هي المسمى لا تزيد ولا تنقص وإن كان العام معينا فله الفسخ إذا خشي الفوات سواء أحرم أيضا أو لم يحرم وله من الأجرة بقدر ما عمل فإن فاته الحج في تلك السنة لم يكن له شيء فيما فعله بعد ذلك أقام على إحرامه أو تحلل بعمرة ثم قضاه قاله في الطراز ونحوه للخمي وهذا أحد القولين اللذين ذكرهما ابن الحاجب في قوله : فلو أراد بقاء إجارته إلى العام الثاني محرما أو متحللا فقولان قال في التوضيح : هما للمتأخرين فيمن رأى أنه لما تعذر الحج في هذا العام انفسخت فصار له دين في ذمته يأخذ عنه منافع مؤخرة منع لأنه فسخ دين في دين ومن رأى أن هذا النوع أخف من الإجارات الحقيقية لم يقدر الانفساخ لأنه إنما قبض الأجرة على الحج وقد صار الأمر إليه جاز واختار ابن أبي زيد الجواز انتهى .

                                                                                                                            وقال في شرح العمدة : فلو مات أو صد كان له بحساب ما عمل ورجع عليه أو على تركته بالباقي يستأجر به من حيث انتهى عمله لحصول النيابة إلى ذلك الموضع فإن لم يجدوا أو لم يوف عاد ميراثا فإن أحصر وأراد المقام على إحرامه لقابل أو تحلل وأراد بقاء الإجارة إلى قابل فهل له ذلك ؟ قولان : الجواز لأنه إبقاء [ ص: 551 ] دين في ذمته ، والمنع لأنه فسخ دين انتهى . وقال ابن فرحون إثر كلام ابن الحاجب المتقدم : في كلامه إجمال لأنه لم يبين هل وقعت الإجارة على عام معين أو على حج مضمون أو على البلاغ قال ابن راشد : والظاهر أنه أراد الأجير بأجرة معينة على عام بعينه إذا صد وأصابه مرض أو أخطأ العدد لأن الإجارة تنفسخ وله من الأجرة بقدر ما بلغ فإن أراد أن يبقى على إجارته وقد تحلل من إحرامه أو بقي محرما فللمتأخرين قولان : أحدهما أن ذلك غير جائز لأنه فسخ دين في دين ، والآخر الجواز لأنهما لم يعملا على ذلك وقد سئل ابن أبي زيد عن ذلك فأجازه وقال : لا ينتهى إلى ما قيل لكم أنه فسخ دين في دين إذ لم يعملا عليه لكن لو تحاكما وجبت المحاسبة ووجه من قال : إنه فسخ دين في دين أنه لما تعذر الحج في هذا العام انفسخت الإجارة فصارت له دينا في ذمته يؤخذ عنه منافع مؤخرة والقائل بالجواز يرى هذا النوع أخف من الإجارات الحقيقية ولا يقدر الانفساخ لأنه إنما قبض الأجرة على الحج وقد صار الأمر إليه قال ابن راشد : ولو كانت الإجارة على عام غير معين فقد تقدم أن الإجارة لا تنفسخ إذا كان الصبر لقابل لا يشق عليه فإن شق عليه فهو بالخيار وجعل ابن عبد السلام وصاحب التوضيح فرض هذه المسألة في الحج المضمون لا على عام بعينه والصواب ما قاله ابن راشد لمساعدة النقل له وما عللا به القول الأول يوضح أنها إجارة على عام بعينه انتهى .

                                                                                                                            علم منه ترجيح القول بالجواز .

                                                                                                                            ( ( قلت ) ) : وعليه مشى المؤلف فأطلق في قوله : والبقاء لقابل ولم يقيده بكون العام غير معين إلا أنه إذا كان العام غير معين كان الخيار للأجير وإذا كان العام معينا لم يكن له البقاء إلا باتفاق الأجير والمؤجر ومن طلب منهما الفسخ قضي له به كما تقدم في كلام ابن فرحون .

                                                                                                                            وأما في إجارة البلاغ فله النفقة إلى المكان الذي صد فيه وله النفقة في رجوعه منه فإن حصر بعد ما أحرم واستمر على إحرامه بعد الحصر وإمكان التحلل قال سند : فلا نفقة له في ذلك بعد إمكان التحلل لأنهم لم يرضوا بذلك ولا اقتضاه العقد ولا يوجبه لكن إن حج من عامه كانت له الأجرة على ما اتفقوا عليه وإن بقي حتى فاته الحج وقد كان أحرم وسار إلى البيت وقد زال الحصر ليتحلل بالعمرة فلا نفقة له في ذلك فإن تحلل وبقي بمكة حتى حج من قابل أو بقي على إحرامه لقابل فلا شيء له إن كانت الإجارة على عامه الأول بعينه وإن كانت على مطلق الحج من غير تعيين عام بعينه فهذا يسقط من نفقته ويوم أمكنه أن يتحلل فإن سار إلى مكة بنية البقاء إلى قابل فله نفقة سيره ولا نفقة له في مقامه بمكة حتى يأتي الوقت الذي أمكنه فيه التحلل من العام الأول ويذهب بعد ذلك قدر ما سار فيه إلى مكة فيكون له النفقة فيما بعد ذلك فإن سار إلى مكة بنية أنه يتحلل فلا نفقة له في سيره لأنه إنما سار لمنفعة نفسه لما تأخر تحلله عن موضع الحصر فإذا كان من قابل خرج إلى الموضع الذي تحلل منه بالعمرة وهو الموضع الذي أحصر فيه فيحرم منه بالحج والأحسن أن يحرم من الميقات إن كان أبعد منه ونفقته فيما زاد على الموضع الذي أحصر فيه إلى الميقات في ماله لأنها زيادة خارجة عن العقد وإنما وقعت بحكم العبادة لا بحكم الإجارة وكذلك إن خرج قبل الوقت الذي كان له أن يتحلل فيه تكون نفقته في ماله إلى ذلك الوقت وله النفقة في رجوعه محرما انتهى مختصرا .

                                                                                                                            وأما إن أخذ المال على الجعالة ثم أحصر فإن تحلل فلا شيء له فإن تمادى وحج من عامه فله الجعل وإن أقام إلى قابل ولم يشترط عليه حج عامه فهو على عقده وإن شرط عليه فقد سقط العقد قاله في الطراز والله أعلم .

                                                                                                                            ( ( قلت ) ) : وعلى القول الذي مشى عليه المصنف واختاره ابن أبي زيد ينبغي أن يجزئه والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية