الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وقال في المدونة في كتاب الحج [ ص: 52 ] الثالث : في ترجمة الذي يفسد حجه ، وإذا طاف القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض قارنا ; لأن طوافه وسعيه إنما كانا للحج والعمرة جميعا ، ألا ترى لو لم يجامع ، ومضى على القران صحيحا لم يلزمه إذا رجع من عرفات أن يسعى لحجه وأجزاه السعي الأول ؟ انتهى .

                                                                                                                            فمعنى قوله : للحج والعمرة جميعا أنه للإحرام به لا أنه يقصد بالطواف الأول أنه للقدوم ، وللعمرة وبالسعي أنه سعي العمرة والحج ، وأن العمرة قد تمت قال سند في شرح كلام المدونة المذكور : وهذا الذي قاله بين ، وهو حجة على من ذهب من أصحابنا إلى أنه لا ينبغي أن يكون عليه من عمل العمرة شيء ; لأنها قد تمت على الصحة ، وإنما بقي الحج وحده ، وإنما حمل هذا القائل على ذلك ، والله أعلم أن العمرة لا يؤتى لها إلا بطواف واحد وسعي واحد فيقع الطواف الأول وسعيه مشتركا بين النسكين ، وما بقي من الأفعال يختص به الحج دون العمرة فيقابل الفساد أفعال الحج المختصة بدون أفعال العمرة ، وهو وهم ، فإن فعال العمرة قائم بالقران حتى يتحلل القارن ، ولولا ذلك لوجب عليه دم إذا قدم سعيه لتأخير حلق العمرة انتهى .

                                                                                                                            ففيه إشارة إلى ما ذكرته ، وإن لم يكن مفصحا به ، ومثل كلامه السابق في المدونة قوله في الحج الأول : من دخل مكة قارنا فطاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه دم القران ، ولا يكون طوافه حين دخوله مكة لعمرته لكن لهما جميعا ، ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى ; لأنه لو جامع فيهما قضاهما قارنا فقوله : لهما جميعا أنه للإحرام الذي أحرمه بهما ، وبذلك يجمع بين قولهم : إن أفعال العمرة تندرج ، وكلام المدونة في الموضعين ، وعلى هذا يحمل ما ذكره ابن عرفة عن اللخمي ، ونصه : وفيها على من دخل قارنا فطاف وسعى قبل أشهر الحج وحج من عامه دم القران فخرجه اللخمي على اختصاص حج القارن بالطواف والسعي دونها كقول مالك فيها إن رمى قارن مراهق جمرة العقبة حلق ونفيه على اشتراكهما فيهما كقول ابن الجهم في القارن ، وأن المراهق لا يحلق حتى يسعى انتهى .

                                                                                                                            فقوله : على اختصاص حج القارن بالطواف والسعي يعني به أن لا يقصد التشريك فيهما يقصد بذلك طواف القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج والعمرة ، أما على ما ذكره ابن الجهم فيمكن أن يقال : إنه يقصد بهما التشريك ، ويمكن أن يقال : إنما مرادهما صورة الطواف والسعي ، وإن كان إنما يقصد بالطواف طواف القدوم وبالسعي سعي الركن في إحرامه المذكور .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية