الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وحنث إن لم تكن له نية ولا بساط بفوت ما حلف عليه [ ص: 288 ] ولو لمانع شرعي أو سرقة لا ب كموت حمام في ليذبحنه )

                                                                                                                            ش : لما ذكر رحمه الله مقتضيات البر والحنث من النية وما بعدها أخذ يذكر فروعا تنبني على تلك الأصول ، وهي في نفسها أيضا أصول ، فمن ذلك إذا تعذر الفعل المحلوف عليه لفوات محله ، وقاعدة المصنف في هذا الباب أنه إذا قال وبكذا فيشير إلى ما يقع فيه الحنث ، وإذا قال لا كذا فيشير إلى ما لا يحنث فيه إلا أنه رحمه الله أجمل في كلامه بعض الإجمال لأجل الاختصار ، والمسألة فيها تفصيل قال في التوضيح اعلم أن من حلف ليفعلن شيئا فتعذر فعله ، فإما أن يكون الفعل مؤقتا أم لا ابن بشير ، فإن كان الفعل غير مؤقت بأجل ، فإن كان فرط حتى تعذر الفعل فلا خلاف أنه حانث ، فإن بادر فلم يمكنه الفعل فكما لو كان مؤقتا ، انتهى . والمؤقت ينقسم تعذره إلى ثلاثة أقسام : إما أن يكون عقلا أو شرعا أو عادة ، فالعقلي كتعذر ذبح الحمام المحلوف بذبحها لموتها ، إذ الذبح في الميت متعذر ، فلا خلاف منصوص أنه لا يحنث ، وخرج اللخمي قولا بالحنث من التعذر شرعا ، وأما العادي فكما لو حلف ليذبحن الحمامات غدا فعطبت أو سرقت أو استحقت فذكر المصنف قولين ومذهب المدونة الحنث ، وأما الشرعي فكما لو حلف ليطأنها الليلة فوجدها حائضا أو ليبيعن الأمة فوجدها حاملا ، وذكر المصنف فيه قولين ومذهب المدونة الحنث ، ونص سحنون في مسألة البيوع على عدم الحنث ، ووقع لابن القاسم وابن دينار فيمن حلف ليطأن امرأته الليلة فقام فوجدها حائضا إن فرط قدر ما يمكنه الوطء حنث وإلا فلا .

                                                                                                                            واختاره ابن حبيب وابن يونس ، وإنما فرق ابن القاسم بين [ ص: 289 ] الموت والسرقة والبيع ; لأن الفعل في الميت لا يمكنه ألبتة ، بخلاف السرقة والبيع فإن الفعل يمكنه إذا أمكن من ذلك ، ومنع الشرع منه أو العادة لا يمنع بعض الحالفين من قصده ، فلا يعذر بفعل السارق ونحوه ; لأن من أصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا يعذر بالإكراه والغلبة إلا أن ينوي ذلك ابن بشير وهذا الخلاف إنما هو إذا أطلق اليمين ، وأما لو خص وقال : قدرت على الفعل أم لا ، فلا يختلف في حنثه ، ولو قال : إن أمكنني فلم أفعل ، فلا يختلف في نفي حنثه . فقول المصنف وحنث إن لم تكن له نية ولا بساط يشير به إلى ما ذكره ابن بشير يعني ، وأما إن كانت له نية أو بساط فلا حنث ، وأما إن لم تكن له نية ، ولا بساط حنث بفوت ما حلف عليه ، ولو كان المانع من الفعل أمرا شرعيا كالحيض المانع من وطء الزوجة المحلوف عليها ، أو كان المانع أمرا عاديا كسرقة الشيء المحلوف عليه ، وظاهره سواء كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت كما تقدم وأشار بلو إلى الخلاف ، وذكر في الإرشاد أن الفوت يكون بفوت الزمان ونصه : ويتحقق الحنث بفوت المحلوف عليه كقوله : لأدخلن اليوم فغربت الشمس ولم يدخل ، انتهى . ثم أشار إلى ما إذا كان المانع من فعل المحلوف عليه أمرا عقليا بقوله : لا بكموت حمام في ليذبحنه هذا إذا كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت وبادر ولم يفرط ، وأما إن كان غير مؤقت وفرط فإنه حانث كما تقدم فيحتاج كلام المصنف إلى تقييده بإخراج هذه الصورة ، وانظر ابن عرفة وانظر رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور ، وفي مسألة من حلف على ابنته لا تضع صداقها ، وانظر رسم أوصى من سماع عيسى من التخيير والتمليك فيمن حلف ليقتر على امرأته الليلة ، ورسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ، وانظر رسم لم يدرك من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق فيمن حلف لربيبته ورسم الجنائز والذبائح من سماع القرينين من النذور ، وفي مسألة الحالفة لزوج ابنتها ، وانظر رسم الطلاق من سماع القرينين من الأيمان بالطلاق في الحالف ليطأن امرأته الليلة ، ورسم الطلاق الأول منه في الحالف لرجل لأخاصمنك عند فلان فيموت .

                                                                                                                            ( فرع ) إذا حلف بعتق عبده فباعه عليه السلطان في دين ، فمتى عاد إليه عادت اليمين إلا أن يعود إليه بميراث ، فلا شيء عليه قاله القرافي ، وذكر الفرق بينهما فانظره وانظر القاعدة الثانية من قواعد الأيمان من مختصر القواعد والله تعالى أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية