الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ، ثم أشار بقوله : وأعظم مالك إلخ إلى مسألة تتعلق بخزنة الكعبة ، وليست من باب النذور ، ولكن ذكرها في المدونة فيه فتبعه المصنف كغيره من أهل المذهب

                                                                                                                            ( ولما تعرض المصنف لهذه المسألة ، فلا بأس أن نبسط القول فيها ونذكر ما يتعلق بها من المسائل والأحكام تتميما للفائدة إذ ليس لها محل غير هذا ) فأقول : الخزنة جمع خازن ، وخزنة الكعبة هم بنو شيبة يقال لهم : خزنة وسدنة وحجبة ، منصبهم يقال له : حجابة وسدانة وخزانة بكسر الخاء ، قال المحب الطبري في الباب الثامن والعشرين من كتاب القربى : الحجابة منصب بني شيبة ولاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها كما ولى السقاية لعمه العباس رضي الله عنه ، وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت } والمأثرة : المكرمة والمفخرة التي تؤثر عنهم أي تروى عنهم وتذكر ، والمراد والله أعلم إسقاطها وحطها إلا هاتين المأثرتين ، وسدانة البيت خدمته وتولي أمره وفتح بابه وإغلاقه ، يقال : سدن يسدن فهو سادن والجمع سدنة ، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح قال لعثمان بن طلحة : ائت بالمفتاح .

                                                                                                                            قال : فأتيته به ، ثم دفعه إلي ، وقال : خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، ثم قال : ولم يزل عثمان يلي البيت إلى أن توفي ، فدفع ذلك إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في بني شيبة ، ثم ذكر عن ابن عبد البر أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح يوم الفتح إلى عثمان بن أبي طلحة وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، وقال : خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم قال ، ثم نزل عثمان المدينة فأقام بها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى مات في أول خلافة معاوية رضي الله عنه سنة اثنين وأربعين ، وقيل : قتل بأجنادين ، ثم ذكر عن الواحدي أن أخذ المفتاح من عثمان ورده إليه ونزول الآية بالأمر برده [ ص: 327 ] كان عثمان كافرا ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) والأول هو الذي تدل عليه الأحاديث ، وأجنادين بفتح الهمزة وفتح الدال المهملة ومنهم من يكسرها ، وهو موضع بالشام كانت به وقعة مشهورة بين المسلمين والروم ، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة عثمان بن أبي طلحة : أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية ، وشهد فتح مكة ودفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة { وقال : خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم } ونزل عثمان المدينة ، ثم مكة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي بمكة سنة اثنتين وأربعين ، وقيل : قتل يوم أجنادين وقتل أبو طلحة وعمه عثمان بن أبي طلحة يوم أحد كافرين ، وذكر المحب الطبري في آخر كلام الواحدي أنه جاء جبريل وقال : ما دام هذا البيت ، فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان ، زاد الواحدي في أسباب النزول : وهو اليوم في أيديهم ، وقال المحب الطبري : وقوله : خالدة تالدة ، لعله من التالد ، وهو المال القديم ، أي أنها لكم من أول ومن آخر ، أو يكون أتباعا لخالدة بمعناها ، قال العلماء : لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم ، قالوا : وهي ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعظم مالك أن يشرك معهم غيرهم ، قال المحب الطبري قلت : ولا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ، ولازموا في خدمته الأدب ، أما إذا لم يحفظوا حرمته ، فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته ، وربما تعلق العنين الرأي المعكوس الفهم بقوله صلى الله عليه وسلم وكلوا بالمعروف فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت ، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك ، وأنه من أشنع البدع وأقبح الفواحش ، وهذه اللفظة إن صحت فيستدل بها على إقامة الحرمة ; لأن أخذ الأجرة ليس من المعروف ، وإنما الإشارة والله أعلم إلى ما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر ، فلهم أخذه ، وذلك أكل بالمعروف لا محالة ، أو إلى ما يأخذونه من بيت المال على ما يتولونه من خدمته والقيام بمصالحه ، فلا يحل لهم منه إلا قدر ما يستحقونه ، انتهى .

                                                                                                                            ونقل القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام في الباب الثامن منه كلام المحب الطبري مختصرا .

                                                                                                                            ( قلت ) وما ذكره المحب الطبري من أنهم يمنعون من هتك حرمته هو الحق الذي لا شك فيه ، لا كما يعتقده بعض الجهلة من أنه لا ولاية لأحد عليه ، وإنهم يفعلون في البيت الشريف ما شاءوا ، فإن هذا لا يقوله أحد من المسلمين ، وإنما المحرم نزع المفتاح منهم ، وأما إجراء الأحكام الشرعية عليهم ومنعهم من كل ما فيه انتهاك لحرمة البيت أو قلة أدب ، فهذا واجب لا يخالف فيه أحد من المسلمين ، وما ذكره من تحريم أخذ الأجرة على فتح البيت ظاهر أيضا لا شك فيه ، ووجهه أن أخذ الأجرة إنما يجوز على ما يختص الإنسان بمنفعته والانتفاع به ، والبيت لا يختص به أحد دون أحد ، فلا يجوز لهم أخذ الأجرة على فتحه ، وإنما لهم الولاية على فتحه وإغلاقه في الأوقات التي جرت العادة بفتحه فيها ، ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع الناس منه دائما والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) والظاهر أن حكم فتح المقام وأخذ الأجرة عليه كذلك ولم أقف لأحد في ذلك على كلام والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية