الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( بولوغ كلب مطلقا لا غيره ) . ش يعني أن الغسل المأمور به هو سبب ولوغ الكلب فقط فلو أدخل يده في الإناء أو رجله لم يغسل خلافا للشافعي ; لأن الغسل عندنا تعبد وعنده للنجاسة ، وقال صاحب الجمع عن ابن هارون غالب ظني أن في ذلك قولين قال صاحب الجمع قال سند : لا يتنزل إدخال يده ورجله منزلة الولوغ ، وفي ابن عات يتنزل ، وقال ابن ناجي في شرح المدونة : وظاهر الحديث أنه لو أدخل يده ، أو رجله لم يغسله ونقله خليل عن المذهب وما ذكره عن المذهب لا أعرفه انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) نقله سند ونصه : والغسل متعلق [ ص: 178 ] بولوغ الكلب فقط ، ولو أدخل الكلب يده في الإناء لم يغسل سبعا خلافا للشافعي .

                                                                                                                            ( فرع ) قال سند إذا لعق الكلب يد أحدكم لا يغسلها .

                                                                                                                            ويقال : ولغ يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا بضم الواو إذا شرب . أبو عبيدة فإذا شرب كثيرا فهو بفتح الواو . ابن العربي ويستعمل الولوغ في الكلاب والسباع ، ولا يستعمل في الآدمي ويستعمل الشرب في الجميع انتهى بالمعنى .

                                                                                                                            وليس شيء من الطير يلغ إلا الذباب قاله في القاموس . وقوله مطلقا يعني أن الغسل لا يختص بالمنهي عن اتخاذه بل يغسل من ولوغ المأذون في اتخاذه والمنهي عن اتخاذه وهذا هو المشهور كما صرح به ابن الفاكهاني في شرح العمدة واقتصر عليه صاحب الوافي قاله السيد في تصحيح ابن الحاجب ، وقال في الشامل : هو الأصح ، وقيل : يختص بالمنهي عن اتخاذه وهما روايتان قاله ابن عرفة قال في التوضيح بناء على أن الألف واللام في الكتاب للجنس فيعم ، أو للعهد في المنهي عن اتخاذه ونقلابن عرفة ثالثا عن ابن رشد وابن زرقون بأنه يختص بالحضري وعزياه لابن الماجشون وقال وتفسير اللخمي بالمنهي عن اتخاذه يمنع كونه ثالثا يعني أن اللخمي فسر الحضري في كلام ابن الماجشون بالمنهي عنه ، وذلك لأنه في الحضر لا يكون غالبا إلا منهيا عن اتخاذه والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            وقوله : " لا غيره " يعني أن الغسل خاص بالكلب فلا يغسل الإناء من غيره وهو الظاهر من المذهب قال ابن رشد وهو الصحيح وقيل يلحق به الخنزير وهما روايتان قاله ابن الحاجب وابن عرفة بناء على أن الغسل للتعبد ، أو للقذارة قال ابن رشد وإذا ألحق به الخنزير فيلحق به سائر السباع لاستعمالها للنجاسة واندراجها في الاسم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام لعتبة بن أبي لهب { اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فعدا عليه الأسد فأكله } .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن هارون وانظر لو نشأ ولد من الكلب والخنزير على القول بأنه لا يلحق بالكلب قال والأحوط وجوب الغسل ، ولا يبعد أن يحكم فيه بتبعية أمه ونقله عنه ابن ناجي في شرح المدونة وزاد لقوله : كل ذات رحم فولدها بمنزلتها .

                                                                                                                            ص ( عند قصد الاستعمال )

                                                                                                                            ش : أي لا يؤمر بالغسل إلا عند قصد استعمال ذلك الإناء هذا هو المشهور وعزاه ابن عرفة للأكثر ولرواية عبد الحق ، وقيل : يؤمر بالغسل بفور الولوغ وعزاه ابن عرفة لتخريج المازري على التحرير ولنقل ابن رشد قال في التوضيح : وبنى ابن رشد وعياض الخلاف على أن الغسل تعبد فيجب عند الولوغ ; لأن العبادة لا تؤخر ، أو للنجاسة فلا يجب إلا عند إرادة الاستعمال قال : وفيه نظر ; لأن المشهور أنه تعبد وأنه لا يجب إلا عند قصد الاستعمال والأحسن أن يبنى الخلاف على الخلاف في الأمر هل هو للفور ، أو للتراخي ؟ ا هـ .

                                                                                                                            قال صاحب الجمع : وظاهر كلامه في الذخيرة ترجيح الثاني لتقديمه إياه ، قال : وانظر هل مراد ابن الحاجب بقوله ولا يؤمر به إلا عند قصد الاستعمال ما تقدم من كونه هل يغسل فورا ، أو عند قصد الاستعمال ، أو مراده أنه إذا أريد استعماله غسل عند إرادة الاستعمال سواء اتصل الاستعمال بالقصد ، أو لم يتصل ؟ وإن لم يرد استعماله فإنه لا يغسل ويكون القول الآخر يغسل ولو عزم على تركه ، وعليه فلو كسر لزم غسل شقاقه قال والظاهر أنه أراد المعنى الأول ا هـ . وهو المتعين وهو الذي يظهر من كلامهم ، وقال ابن عبد السلام : وربما بما ذكر في ثمرة الخلاف هنا هل يلزم غسل الإناء إذا كسر وفيه بعد ا هـ . وكأنه يشير إلى ما ذكره صاحب الجمع والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            وقال سند مذهب مالك غسله عند إرادة الاستعمال لا بفور الولوغ كما زعم بعض الناس ووجه المذهب أن غسله إنما يراد ليستعمل أرأيت لو كسر بعد الولوغ أكان يغسل شقاقه ؟ ا هـ . فظاهره أنه لا يقول أحد بغسل شقاقه ، فتأمله .

                                                                                                                            ص ( بلا نية )

                                                                                                                            ش : يعني أنه لا يشترط في غسل الإناء النية قاله الباجي وابن رشد قالا وإنما يفتقر التعبد إلى النية [ ص: 179 ] إذا فعله الشخص في نفسه أما هذا وغسل الميت وما شابههما فلا قاله في الذخيرة ويحتمل أن يشترط فيه النية قياسا على اشتراطها في النضح قال : ويحتمل أن يفرق بينهما بأن الغسل هنا يزيل اللعاب فالنضح لا يزيل شيئا فكان تعبدا بخلاف إناء الكلب وأصله لصاحب الطراز قال : فإن استعمله من غير غسل في الماء فهل يغسله بعد ذلك سبعا ، أو بحسب الماء الذي ألقاه فيه واستعمله مرة فهذا ينبني على اشتراط النية قال الباجي لا نية وهل يتخرج فيه قول ثان قياسا على النضح ، أو يفرق بينهما وذكر ما تقدم ، الأمر محتمل وفهم من كلام صاحب الطراز .

                                                                                                                            ( فرع ) آخر وهو أنه إذا استعمله قبل غسله لا يسقط الغسل ، ولا يؤمر بغسل ما أصابه ذلك الماء وهذا ظاهر ; لأن المذهب طهارته والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) هل يشترط الدلك ؟ قال في التوضيح ليس فيه نص والظاهر على أصولنا الاشتراط ; لأن الغسل عندنا لا تتم حقيقته إلا به ا هـ . وقوله لا نص إن أراد من المتقدمين فمسلم ، وإن أراد أنه لم يسبق إليه فممنوع فقد ذكره في الذخيرة وأصله لصاحب الطراز لكنه فرعه على القول باشتراط النية فقال : فرع وإذا شرط فيه النية فهل يشترط الحك باليد كما يشترط التدلك في الوضوء والغسل ; لأن الغسل فيه على وجه التعبد أو يجزي تمضمضه بالماء ؟ هذا لا نص فيه أصلا ويجوز أن يقال لا يشترط دلكه ; لأن الغسل مأمور به فيه خرج على المتعارف من غسل الأواني ، وقد يطلق الغسل من غير دلك يقال : غسلت السماء الأرض بالمطر ا هـ . فظاهره أنه على القول بعدم اشتراط النية لا يشترط الدلك ، وفي كلامه إيماء إلى أنه لا يشترط أيضا على القول باشتراطها ، وفي كلام ابن العربي ما يدل على عدم اشتراط ذلك وإنه المذهب فإنه قال في باب ما جاء في أن تحت كل شعرة جنابة : اختلف الناس في الغسل فقيل : هو صب الماء على المغسول ، وقيل : هو إمرار اليد مع الماء على المحل ، أو عرك المحل بعضه ببعض ، والصحيح أنه صب الماء لإزالة شيء فإذا زال كان غسلا وكان المحل مغسولا ألا ترى أن غسل الإناء من ولوغ الكلب صب الماء عليه ; لأنه ليس هناك شيء يزال ؟ ا هـ .

                                                                                                                            ص ( ولا تتريب )

                                                                                                                            ش : يعني أن تتريب الإناء غير مطلوب عندنا ; لأنه لم يثبت في كل الروايات قاله عياض ، أو لاختلاف الطرق الدالة عليه ففي بعضها إحداهن ، وفي بعضها أولاهن وبعضها في أخراهن ، وقال القرطبي : إنما لم يقل مالك بالتعفير ; لأنه ليس في روايته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية