الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر )

                                                                                                                            ش : يعني لو ظاهر ثم عاد ، ثم ظاهر أيضا لزمته كفارة ثانية [ ص: 121 ] ولو كان ظهاره ثانية بما ظاهر به أولا قال في التوضيح : كما لو قال : أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار ، وعاد ، ثم قال ثانيا أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار ; لأن الأولى لما تقرر شرطها ، وهو العود صارت اليمين الثانية ، وإن كانت بغير ما علق به أولا مخالفة للأولى ، فصار بمنزلة ما لو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت زيدا أو أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار انتهى ، واعلم أولا أن كلام المصنف نحو كلام ابن الحاجب ، وهو شامل لما مثل به في التوضيح ، وبما إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي من غير تعليق ثم عاد ثم قال : أنت علي كظهر أمي ، ومقتضى كلامها أن الكفارة تتعدد في ذلك ، وهو خلاف مذهب ابن القاسم في الصورتين بل لو شرع في الكفارة عن الأول ثم ظاهر لم تتعدد الكفارة بل يبتدئها من حينئذ .

                                                                                                                            وتجزئ عن الظهارين قال ابن رشد : إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة عن الظهار الأول ، وكان ذلك مما لا يجب فيه إلا كفارة واحدة لم يجب عليه إتمام الأولى ، واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني ، وحيث تجب عليه لكل واحد كفارة إذا أوقع الثاني بعد أن شرع في الكفارة الأولى يجب عليه إتمامها ، وابتداء كفارة أخرى للظهار الثاني هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة ، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل ، والثاني بفعل ، فعليه لكل واحد كفارة ، وإن كان الفعل واحدا ، وهو بعيد ولابن الماجشون في ديوانه أن كفارة واحدة تجزئه في ذلك كيفما كان ، فعلى مذهبه إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في كفارة الظهار الأول يبتدئ من يوم أوقع الثاني ، وإن كانا جميعا بفعلين في شيئين مختلفتين ، وقد قيل إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للأول يتم للأولى ، ثم يستأنف الثانية ، وإن كانا جميعا بغير فعل قال ابن المواز : وهو أحب إلي إن لم يبق من الأولى إلا يسير ، وإن لم يكن من الأولى إلا يومان أو ثلاثة ، فإنه يتمها ، ويجزئه لهما جميعا ، وقول ابن القاسم في هذه المسائل كلها أظهر الأقوال ، وأولاها بالصواب انتهى .

                                                                                                                            ثم قال في سماع أبي زيد قال ابن القاسم : في رجل قال : أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فأخذ في الكفارة فلما صام شهرا وقع بينه وبينها مشاجرة فقال لها : أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك ، قال يبتدئ شهرين من يوم ظاهر للظهار الآخر قيل له ، فإنه ابتدأ فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة ، وبطل عليه الصيام قال ابن رشد : لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها ; لأنه لم يحنث بعد ، ولا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل الحنث ; لأنها يمين هو فيها على حنث ، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار ، فيجوز له الوطء كان له ذلك ، وإن لم يفعل ، وطلبته المرأة بالوطء ضرب له أجل الإيلاء إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر ، فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة ، وسقط ما مضى منها ، ولم يكن له أن يطأ حتى يستأنف الكفارة على ما قال ، ولم يكن له أن يتم الكفارة التي دخل فيها ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى ; لأن اليمينين جميعا على فعل واحد فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة فإن تزوج عليها بر بالتزويج ، وانحلت اليمين ، ولم يكن عليه إتمام ما دخل فيه من الكفارة ، وهذا كله بين انتهى ، وقال في التوضيح : ولو أخذ في كفارة الظهار ، ثم قال : أنت علي كظهر أمي فليبتدئ الآن كفارة واحدة ، وتجزئه ، وقيل بل يتم الأولى ، ويبتدئ كفارة ثانية محمد ، وهو أحب إلي إذا كان لم يبق من الأولى إلا اليسير ، وأما إن مضى يومان أو ثلاثة فليتم ، ويجزئه لهما ، وقال أشهب : سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبدأ الكفارة [ ص: 122 ] عن الظهارين إذا كانا نوعا واحدا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم يقول ، وقد أخذ في الكفارة مثل ذلك ، وكذلك لو كان الأول بيمين حنث فيها ، والثاني بغير يمين قال ، وإن كان الأول بغير يمين ، والثاني بيمين حنث فيها ، فليتم الأولى ، ويبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني انتهى .

                                                                                                                            ، وقال ابن عرفة : ولو حدث التكرار بعد تمام كفارة الأول تعددت لما بعدها اتفاقا ، ولو حدث في أثنائها ، ففي إجزاء ابتدائها عنهما ، ولزوم تمام الأولى ، وابتداء ثانية ثالثها إن لم يبق من الأولى إلا اليسير ، وإن مضى منها يومان أو ثلاثة أجزأه إتمامها عنهما ثم ذكر الخلاف ثم قال ، وقول ابن الحاجب لو عاد ثم ظاهر لزم ظهاره دون خلاف ليس كذلك ، ولو قال : لو وطئ بدل لو عاد لاستقام انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية