الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وسننه غسل يديه أولا ثلاثا تعبدا بمطلق ونية ولو نظيفتين أو أحدث في أثنائه مفترقتين )

                                                                                                                            ش لما فرغ من فرائض الوضوء شرع في ذكر سننه ، وعدها ثمانية : الأولى : غسل اليدين وإنما بدأ بهما ; لأنهما أول شيء يغسل في الوضوء والمشهور كما ذكر أن غسلهما سنة ، وقيل : مستحب قال الجزولي : وزاد بعضهم ثالثا وهو إن كان عهده بالماء قريبا فمستحب ، وإن كان بعيدا فسنة . قال : وخارج المذهب فيها أقوال : ( أحدها ) أنه واجب لظاهر الحديث فإن الأمر للوجوب .

                                                                                                                            ( الثاني ) أنه يجب على المنتبه من النوم دون غيره .

                                                                                                                            ( الثالث ) إن كان من نوم الليل وجب وإلا فلا لقوله في الحديث { أين باتت يده } والبيات إنما يستعمل في الليل .

                                                                                                                            ( والرابع ) إن كان جنبا وجب وإلا فلا ، وقوله : أولا يريد في أول وضوئه قبل أن يدخلهما [ ص: 243 ] في الإناء لقوله عليه الصلاة والسلام { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } وقوله : ثلاثا هذا هو المعروف وقال الجزولي : اختلف هل يغسلهما ثلاثا أو اثنتين وسبب الخلاف اختلاف الأحاديث وقوله : تعبدا هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم وقول أشهب : يغسلهما للنظافة وقوله : بمطلق ونية يعني أنه لا تحصل السنة إلا إذا غسلهما بالماء المطلق ونوى بذلك الغسل سنة الوضوء وقوله : ولو نظيفتين هذا تفريع على المشهور من أن غسلهما تعبد . وكذا قوله : ولو أحدث في أثنائه . وكذا غسلهما مفترقتين ، وعلى النظافة خلافه في الجميع . قاله في التوضيح قال : هكذا قالوا ، وفيه بحث وذلك أنه لم لا يجوز أن يسن لنظيف اليد الغسل ولو قلنا أنه تنظيف كما في غسل الجمعة ; لأنه شرع أولا للنظافة مع أنا نأمر به نظيف الجسم ؟ فانظر ما الفرق انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) من أحدث في أثناء وضوئه فإنه يسن له أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ، قاله سند في باب ترتيب الوضوء وموالاته ، وذكر عن بعض الشافعية أن من تيقن طهارة يده فإن شاء أفرغ عليها وإن شاء أخذ بها الماء وغسل يده ثم رد عليه ، وقال : هذه قولة متهافتة ; لأن غسل اليد إنما شرع مقدما على إدخالها الإناء هذا وضعفه في الشرع ، وأما من قال يدخلهما ثم يغسلهما فلا يعرف في السلف ولا يلتفت إلى مثله انتهى . وصرح بذلك اللخمي في أول كتاب الطهارة وقاله أيضا في المسألة السابعة من سماع أبي زيد من كتاب الطهارة .

                                                                                                                            ( الثاني ) إنما يكون غسلهما سنة إن تيقن طهارتهما قال ابن عرفة : وسننه غسل يديه الطاهرتين قبل إدخالهما في إنائه . أبو عمر المشهور : كراهة تركه . أشهب : ليس ذلك عليه ثم قال : وسمع ابن القاسم إن أدخلهما من نام في إنائه فلا بأس بمائه . ابن حارث عن ابن غافق التونسي : أفسده ولو كان طاهرهما . ابن رشد : إن أيقن : نجاستهما فواضح وإن أيقن طهارتهما فظاهر ، وإن شك فكذلك ولو كان جنبا . ابن حبيب : إن بات جنبا فنجس انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال الشيخ زروق في شرح الرسالة في الإناء انظر : ذكر الإناء هل هو مقصود فلا يدخل الحوض أم لا ؟ أما الجاري فلا إشكال وأما غيره فانظره فإني لم أقف عليه انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ومثل الجاري الماء الكثير مثل الحوض الكبير والبركة الكبيرة ، وفرض المسألة في سماع موسى فيمن يرد على الحياض ويده نجسة وقد قال في رسم كتب : عليه ذكر حق ، من سماع ابن القاسم ، فإن كان الإناء مثل المهراس والغدير الذي لا يقدر أن يغسل يده منه إلا بإدخال يده فيه فإن لم يعلم بها دنسا أدخلها ، ولا يأخذ الماء بفيه ليغسلها إذ ليس ذلك من عمل الناس . قاله في آخر سماع أشهب ، فأما إذا كانت يده نجسة فلا يدخلها حتى يغسلها وليتحيل في ذلك بأن يأخذ الماء بفيه أو بثوب أو بما يقدر عليه . قاله في سماع موسى انتهى . والذي في سماع أشهب نحو هذا وزاد فيه ورأى أن ذلك يعني أخذه بفيه من التعمق ، وقال في سماع موسى : إذا كان في يده نجاسة قال ابن القاسم : أرى أن يحتال بما يقدر عليه حتى يأخذ ما يغسل به يده إما بفيه أو بثوب أو بما قدر عليه ، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها إلا أن يكون الماء كثيرا معينا فلا بأس أن يغسل فيه . قال ابن رشد : إذا كانت يده نجسة لم يجز له أن يدخلها في الماء إلا أن يكون الماء كثيرا يحمل ذلك القدر من النجاسة ولا بد له أن يحتال في غسل يده قبل أن يدخلها في الماء إما بفيه أو بثوب طاهر ، وإن كان الماء إذا أخذه بفيه ينضاف بالريق فلا يرتفع عن اليد حكم النجاسة على مذهب مالك ، فإن عينها تزول وإن بقي حكمها ، وإذا زال عينها من يده بذلك لم ينجس الماء الذي أدخلها فيه وهذا مما لا خلاف فيه انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن رشد أيضا : تحصيل القول في ذلك أن الماء إذا وجده القائم من نومه في مثل المهراس الذي لا يمكنه أن يفرغ [ ص: 244 ] منه على يديه فإن أيقن بطهارة يده أدخلها ، وإن أيقن بنجاستها لم يدخلها فيه ، واحتال لغسلها بأن يأخذ الماء بفيه أو بثوب أو بما قدر عليه ، وإن لم يوقن بطهارتها ولا نجاستها فقيل : إنه يدخلها في المهراس ولا شيء عليه ; لأنها محمولة على الطهارة وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الوضوء ، وقيل : إنه لا يدخلها فيه وليحتل لغسلها بأخذ الماء بفيه أو بما يقدر عليه وهو ظاهر قول أبي هريرة وأما إن كان في إناء يمكنه أن يفرغ منه على يديه فلا يدخلهما فيه حتى يغسلهما ، فإن أدخلهما فيه قبل أن يغسلهما فالماء طاهر إن كانت يده طاهرة ، ونجس إن كانت يده نجسة على مذهب ابن القاسم وإن لم يعلم بيده نجاسة فهي محمولة على الطهارة ، وسواء أصبح جنبا أو غير جنب انتهى من رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع .

                                                                                                                            ( فرع ) وقال الشيخ يوسف بن عمر : قوله قبل دخولهما في الإناء غير مقصود والمقصود غسلهما عند ابتداء الوضوء وسواء توضأ من الإناء أو من النهر انتهى . ولم يتكلم ابن رشد على ما إذا عجز ولم يقدر على حيلة وقال في المنتقى في آخر جامع غسل الجنابة : لا يخلو أن يكون ما بيده من النجاسة يغير الماء أو لا يغيره ، فإن كان يغيره فلا يدخل يده فيه وحكم هذا حكم من ليس عنده ماء ، فإن كان لا يغيره فليدخل يده فيه ثم يغسل يده بما يغرف بها من الماء ثم يتوضأ أو يغتسل ; لأن إدخال يده إذا لم يغير الماء فإنه لا ينجسه وإنما يكره له مع وجود غيره ، وحكمه حكم الماء اليسير تحله نجاسة ولم تغيره فالظاهر من قول أصحابنا أنه أولى من التيمم ، وعلى قول ابن القاسم لا يدخل يده ويتيمم انتهى . وهو ظاهر والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال ابن المنير في تيسير المقاصد لأئمة المساجد : وسننه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء يفرغ ثلاثا على اليمنى فيغسلها ثم يفرغ بها على اليسرى فيغسلها انتهى . قال في البيان في آخر سماع أشهب من كتاب الطهارة في شرح المسألة الثانية والثلاثين في رسم الوضوء والجهاد : وهذا كما قال : إن الاختيار في غسل اليدين قبل الوضوء أن يفرغ على يده اليمنى فيغسلهما جميعا اتباعا لظاهر الحديث وإن أفرغ على اليمنى فغسلها وحدها ثم أدخلها في الإناء فأفرغ بها على يده اليسرى فغسلها أيضا وحدها أجزأه ولم يكن عليه في ذلك ضيق .

                                                                                                                            وفي أول سماع عيسى لابن القاسم مثل اختيار مالك هذا ، واختلف اختيارهما في تمام الوضوء هل يدخل يديه جميعا في الإناء أم يدخل الواحدة ويفرغ على الثانية ويتوضأ ؟ ثم قال في المسألة الثانية من سماع عيسى : اختيار ابن القاسم هنا أن يفرغ على يده الواحدة فيغسلهما جميعا هو مثل ما تقدم لمالك في سماع أشهب ، ورأى واسعا أن يفرغ على يده فيغسلها وحدها ثم يدخلها في الإناء فيفرغ بها على الأخرى فيغسلها أيضا وحدها ، وأما في بقية الوضوء فاختار مالك في هذه الرواية أن يدخل يديه جميعا في الإناء فيغرف بهما جميعا لوجهه ثم لسائر أعضائه .

                                                                                                                            وظاهر قول ابن القاسم أنه يدخل يده الواحدة فيغرف بها على الثانية فيغسل وجهه ثم يفعل ذلك في سائر أعضاء وضوئه وهو أحسن من قول مالك ; لأن ما يغرف بيده الواحدة يكفيه لغسل وجهه وهو أمكن له من أن يغرف بيديه جميعا ، ولعل الإناء يضيق عن ذلك ، وإنما يغرف بيديه جميعا في الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث { ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه } والله تعالى أعلم انتهى .

                                                                                                                            وقال في الطراز : اختلف في الترتيب بين اليدين وغسلهما قبل إدخال الإناء فروى أشهب عن مالك أنه يغسل اليمنى ثم يدخلها في الإناء فيفرغ على اليسرى . وقال ابن القاسم في رواية عيسى : أحب إلي أن يفرغ عليهما فيغسلهما كما جاء في الحديث انتهى . من باب ترتيب الوضوء وموالاته .

                                                                                                                            ( حكاية ) وموعظة : ذكر أن بعض المبتدعين سمع قوله صلى الله عليه وسلم { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه فإنه لا يدري أين باتت يده } [ ص: 245 ] قال كالمستهزئ : أنا أدري أين باتت يدي ، كانت على الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه .

                                                                                                                            ذكر ذلك ابن المفصل في شرح مسلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية