الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وبعضهم يقسم البيع الأعم ويزيد في التفصيل في بيع المنافع فيقول : لا يخلو إما أن يكون بيع أعيان أو بيع منافع ، والمنافع على قسمين : منافع جماد وهو المترجم له بأكرية الدور [ ص: 226 ] والأرضين ، ومنافع حيوان . والحيوان على قسمين : حيوان لا يعقل وهو المترجم له بأكرية الرواحل والدواب ، وحيوان يعقل . وهو على قسمين : إما أن تكون المنفعة متعلقة بالفروج ، وهو النكاح والخلع أو بغير الفروج ، وهو الجعل والإجارة ، ويشبه أن يكون هذا هو الجاري على اصطلاحه في المدونة ; فإنه ذكر التراجم المذكورة إلا أنه بقي عليه من التقسيم منافع العرض ، ويسمى ذلك غالبا إجارة ، وبيع الأعيان ينقسم إلى أقسام كثيرة من حيثيات متعددة ، فينقسم من حيث تأجيل أحد عوضيه أو كليهما إلى أربعة أقسام ; لأنه إن لم يكن فيها تأجيل فهو بيع النقد ، وإن تأجلا معا ابتداء فهو الدين بالدين ، وهو ممنوع كما سيأتي بيانه في البيوع المنهي عنها ، وإن تأجل الثمن فقط فهو البيع إلى أجل ، وإن تأجل المثمون فقط فهو السلم ، وينقسم من حيث كون أحد عوضيه ذهبا أو فضة إلى ثلاثة أقسام : بيع العين بالعين ، وبيع العرض بالعرض ، وبيع العرض بالعين .

                                                                                                                            وينقسم بيع العين بالعين إلى ثلاثة أقسام ; لأنه إن اختلف جنس العوضين كذهب وفضة وعكسه فهو الصرف ، وإن اتحدا فإن كان البيع بالوزن فهو المراطلة ، وإن كان بالعدد فهو المبادلة ، وينقسم البيع أيضا من جهة رؤية المثمن وعدم رؤيته إلى قسمين ; لأنه إن كان مرئيا أو في حكم المرئي فهو بيع الحاضر وإلا فهو بيع غائب ، وينقسم أيضا باعتبار بت عقده وعدم بته إلى قسمين ; فإن لم يجعل أحد المتبايعين لصاحبه خيارا فهو بيع بت ، والبت القطع ; لأن كل واحد منهما قطع خيار صاحبه ، وإن جعل أحدهما لصاحبه الخيار أو جعل كل واحد منهما لصاحبه الخيار فهو بيع الخيار ، وينقسم أيضا من جهة ترتب الثمن فيه على ثمن سابق وعدم ترتبه إلى أربعة أقسام ; لأنه إن كان الثمن مترتبا على ثمن سابق مثل أن يقول المشتري للبائع : اذكر الثمن الذي اشتريت به سلعتك وأربحك كذا فهو بيع المرابحة ، وإن لم يكن الثمن مترتبا على ثمن سابق فهو على ثلاثة أقسام : بيع مساومة ، وبيع مزايدة ، وبيع استئمان واسترسال وسيأتي الكلام عليها مبينا إن شاء الله ، وينقسم باعتبار ما يعرض له من الأمور التي تفسده إلى قسمين : صحيح ، وفاسد ، وكل واحد من هذه الأقسام مباين لقسيميه وأعم من قسيمه من وجه ، وإلى بعض هذه التقاسيم أشار ابن عرفة بقوله : وحصول عارض تأجيل عوضه للعين ، ورؤية عوضه غير العين حين عقده وبته ، وعدم ترتب ثمنه على ثمن سابق وصحته ، ومقابل كل واحد منهما لعدده المؤجل ، ونقد حاضر وغائب وبت وخيار ومرابحة وغيرها ، وصحة وفساد كل منهما مباين لمقابله وأعم من غيره من وجه ا هـ . وانظر القوانين في تقسيم المكاسب والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) ظاهر ما تقدم من أن المعاوضة تكون على الأعيان وتكون على المنافع أن الملكية تتعلق بالأعيان ، وقال القرافي في الفرق المتقدم عن المازري في شرح التلقين : إن قول الفقهاء الملك في البيع يحصل في الأعيان والإجارة في المنافع ليس على ظاهره ، بل الأعيان كلها لا يملكها إلا الله سبحانه ; لأن الملك هو التصرف ، ولا يتصرف في الأعيان إلا الله سبحانه بالإيجاد والإعدام والإماتة والإحياء ونحو ذلك ، وتصرف الخلق إنما هو في المنافع فقط بأفعالهم من الأكل والشرب والحركات والسكنات ، وتحقيق الملك أنه إن ورد على المنافع مع رد العين فهو الإجارة وفروعها من المساقاة والجعالة والقراض ونحوه ، وإن ورد على المنافع على أن لا يرد العين بل يبدلها بعوض وبغيره فهو البيع والهبة والصدقة ، والعقد في الجميع إنما يتناول المنفعة ا هـ وقبله ابن الشاط إلا قوله : إن الملك التصرف ، فقال : إنه غير صحيح على ما قرر المؤلف يعني القرافي قبل هذا وعندي في هذا الكلام الذي ذكره القرافي نظر ; لأن الملك قد تقدم أنه إباحة شرعية تقتضي تمكين صاحبها [ ص: 227 ] من الانتفاع بتلك العين أو المنفعة إلى آخره ، ولا شك أن هذا حاصل في العين وليس هو التصرف كما تقدم ، ولو سلم أنه التصرف فالمراد أنه تصرف مخصوص مأذون فيه من الشارع كهدم الدار وبنيانها وزرع الأرض وحرثها وتقطيع الثياب وخياطتها وطحن القمح وغيره وذبح الحيوان المأكول وكل شيء أذن في التصرف له به تصرف يختص به ، والفاعل على الحقيقة المتصرف التصرف الحقيقي المطلق في جميع الوجوه هو الله سبحانه وتعالى ، وأما تصرف العباد وأفعالهم ; فإنما أجرى الله سبحانه العادة بأنه إذا وجد منها شيء خلق ذلك التأثير عند وجود ذلك الفعل والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية