الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وحرم في نقد ، وطعام ربا فضل ونسا )

                                                                                                                            ش : مراده رحمه الله أن يبين أن ربا الفضل والنسا يدخلان في النقد والطعام من حيث الجملة ، ولا يدخلان في غيرهما من حيوان أو عروض أو غير ذلك ، وأما تفصيل ذلك أعني ما يدخلان فيه معا ، وما يدخل فيه ربا النسا خاصة فيؤخذ مما يأتي ولو ذكره هنا لكان أوضح وأحسن فيقول ، وحرم ربا ، وفضل ، ونسا في نقد ، وربوي إن اتحد الجنس وإلا فالنسا ، وإن غير ربويين وقد علم أن كل ما يدخله ربا الفضل فإن ربا النساء يدخله وليس كل ما يدخله ربا النسا يدخله ربا الفضل كالطعام الذي ليس بربوي .

                                                                                                                            وما ذكره من أن غير النقد والطعام لا يدخله ربا الفضل ، والنسا هو كذلك وفي حديث مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين } قال القرطبي : فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا نقدا ، وهذا لا يختلف فيه ، وكذا في سائر الأشياء ما عدا ما يحرم التفاضل في نقده من الربويات ا هـ .

                                                                                                                            ( فائدة ) : الربا مقصور من ربا يربو فيكتب بالألف ، وتثنيته ربوان ، وأجاز الكوفيون كتابته وتثنيته بالياء بسبب الكسرة في أوله وغلطهم البصريون قال العلماء : وقد كتبوه في المصحف بالواو فقيل ; لأن أصله الواو وقال الفراء : إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربا فعلموهم صورة الخط على لغتهم قال : وكذا قرأها أبو سماك العدوي : بالواو وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء وقرأ الباقون بالتفخيم لفتحة الباء ، ويجوز كتابته بالألف [ ص: 301 ] والواو ، والياء قال أهل اللغة والرماء بالميم المفتوحة والمد هو الربا قاله في النهاية ، وكذا الرببة بضم الراء ، والتخفيف لغة في الربا ، وأصل الربا الزيادة يقال ربا الشيء يربو إذا زاد واختلف في ضبط قراءة العدوي فقيل بفتح الباء ، وقيل بضمها نقلهما السمين في إعرابه .

                                                                                                                            ( فائدة ) : قوله في الحديث { لا تشفوا بعضها على بعض } وهو بضم التاء ، وكسر الشين المعجمة أي لا تفضلوا والشف بكسر الشين الزيادة ويطلق على النقصان فهو من الأضداد ، وقوله إلا هاء هاء فيه لغتان القصر ، والمد ، وهو أشهر ، والهمزة مفتوحة أي خذ وهو اسم فعل ، وفيه لغة بكسر الهمزة ، وأصله هاك فالهمزة بدل الكاف

                                                                                                                            ص ( لا دينار ، ودرهم أو غيره بمثلهما ) ش كذا في أكثر النسخ بلا العاطفة النافية ورفع دينار ، وعطف درهم بالواو وعطف غير بأو ، وفي بعضها عطف غير بالواو ، وأيضا وأما النسخة التي ذكرها ابن غازي فقليلة ، والمعطوف عليه على النسختين المشهورتين محذوف والتقدير ، فيجوز ما سلم من ربا الفضل ، والنسا لا دينار ، ودرهم بمثلهما ، ولا دينار ، وغير الدرهم من عرض أو حيوان أو غير ذلك بمثلها أي بمثل الدينار وذلك الغير ، وهذا ظاهر على النسخة الأولى .

                                                                                                                            وأما على النسخة الثانية فتكون الواو العاطفة للدراهم بمعنى أو ، والمعنى لا يجوز دينار وغيره أو درهم ، وغيره بمثلهما أي بمثل الدينار ، وغيره ، ومثل الدرهم ، وغيره فضمير مثلهما يعود على الدينار ، وغيره في صورة وعلى الدرهم ، وغيره في صورة وهذه مماثلة للنسخة التي ذكرها ابن غازي في المعنى ويدخل في عموم غيره دينار ودرهم بمثلهما ، والعلة في منع جميع ذلك ما ذكره الشارح قال في المدونة في كتاب الصرف وأصله قول مالك في بيع ذهب بفضة مع أحدهما أو مع كل منهما سلعة فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعا جاز ، وإن كثرت السلعة لم يجز إلا أن يقل ما معها من ذهب أو فضة ، وهذا كله نقدا ، وإن كان الذهب ، والورق والعرضان كثيرا فلا خير فيه ، ولا يجوز بيع ذهب وفضة بذهب ولا بيع إناء مصوغ من ذهب بذهب ، وفضة ، ولا يباع حلي فيه ذهب ، وفضة بذهب ، ولا بفضة نقدا كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى ، ويباع بالعروض والفلوس ، وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما [ ص: 302 ] فيه إذا كان أقلهما الثلث أو أدنى ، ورواه علي عن مالك انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) : قال في كتاب الأجل من المدونة : ولا بأس أن تبيع عبدك بعشرة دنانير من رجل على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين دينارا سكة ; لأن المالين مقاصة فأما إن شرطا إخراج المالين أو أضمراه إضمارا يكون كالشرط عندهما لم يجز ثم إن أرادا بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز لوقوع البيع فاسدا انتهى . قال عياض : مفهومه إذا عرا من الشرط وأخرجا الدنانير لم يضر ذلك ; لأنهما لم يعقدا قولهما على فساد ، ولا أفضى فعلهما إليه انتهى . وذكر ابن رشد المسألة في رسم بع : ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب السلم ، والآجال ، ولو تبايعا على أن يتقاصا فلم يتقاصا ، وتناقدا الدنانير لوجب على أصولهم أن ترد إلى كل واحد منهما دنانيره ، ولا يفسخ البيع بينهما لوقوعه على صحة انتهى .

                                                                                                                            قلت : يظهر من كلامه أنه مخالف لكلام القاضي عياض فإن ظاهر كلام القاضي أنه إذا عرا البيع من شرط عدم المقاصة جاز البيع ، ولو أخرجا الدنانير ولا يلزمان بردهما إلا أن يقيد كلامه بأن معناه أن البيع صحيح ، وترد الدراهم فيكون موافقا لكلام ابن رشد بل فيه فائدة أنه يجوز البيع إذا لم يشترطا عدم المقاصة ( فرع ) : قال ابن سهل في أحكامه في أول البيوع : قال القاضي : وسألت أبا المطرف بن أبي سلمة عن بيع الذهب المغزول المحمول على الجلد هل يجوز بيعه بالذهب فقال لا يجوز ; لأنه التفاضل بين الذهبين ، ويجوز بيعه بالذهب يدا بيد ، وهو عندي صواب انتهى .

                                                                                                                            ص ( وبمؤخر ، ولو قريبا )

                                                                                                                            ش : هو معطوف على قوله لا دينار أي فبسبب حرمة ربا الفضل حرم ما تقدم ، وبسبب حرمة ربا النسا حرم ما تأخر فيه أحد النقدين وهذا نحو قول ابن الحاجب والمفارقة تمنع المناجزة ، وقيل إلا القريبة قال في التوضيح : المشهور الأول فقد قال مالك في المدونة : في الذي يصرف دينارا من صيرفي فيدخله تابوته ثم يخرج الدراهم لا يعجبني ، وإذا قال هذا في التأخير اليسير فما بالك بغيره قوله وقيل إلا القريبة ليس هذا القول على إطلاقه بل مقيدة بما إذا كانت المفارقة القريبة بسبب يعود بإصلاح على العقد كما لو فارق الحانوت والحانوتين لتقليب ما أخذه أو زنته ، وهذا مذهب الموازية والعتبية ، وحمله المصنف كاللخمي على الخلاف ، وتأوله صاحب البيان على الوفاق فقال : وقد قيل إن ما في العتبية مخالف لما في المدونة ، وليس هو عندي خلافا ; لأنهما في مسألة المدونة بعد عقد التعارف وقبل التقابض من مجلس ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ومسألة إنما قاما فيها بعد التقابض للضرورة انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) : قد يتبادر من كلام التوضيح ، ومن كلام الشارح أن مسألة المدونة التي ذكرها ، وهي إدخال الصيرفي الدينار تابوته قبل أن ; يخرج الدراهم ممنوعة ، وليس كذلك وإنما هي مكروهة ، ولفظ التهذيب ، وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم ، ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ، ويعطي قال أبو الحسن : الكراهة على بابها وبها استشهد اللخمي بكراهة التأخير اليسير ثم قال : قال محمد : وليرد ديناره إليه ، ثم يتناجزا ، وكل هذا حماية ، ولا يفسد به الصرف ، وقال ابن عرفة : وعقد الصرف على مرئي كمال ، وعلى حاضر غيره جائز انتهى ، وقال في الطراز كره أن يقبض أحد المتعاقدين عوض صاحبه ، ويحوزه ثم يتراخى إقباضه إياه العوض الثاني إلا أن ذلك إذا كان بفورهما لا يفسد النقد كما لو وضعه في صندوق بين أيديهما أو كأنهما في حالة العقد ، وفي عمله ، وهكذا عند محمد إن ذلك إن وقع لا يفسد الصرف قال ، وليرد ديناره إليه ثم يتناجزاه قال : لكن هو مكروه لمضارعة معيب ما حضروه ، وشرط في العقد انتهى . بل صرح المصنف بعد هذا في شرح قول ابن الحاجب ، وفي غيبة النقد المشهور المنع أن مذهب المدونة في هذه الصورة الكراهة [ ص: 303 ] ولم أر أحدا حملها على المنع ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) : ظاهر كلامه في التوضيح أن القيام إلى الحانوت أو الحانوتين للوزن والتقليب ممنوع على المشهور ، ولو كان ذلك بعد التقابض على تأويل اللخمي خلافا لما تأوله ابن رشد ولم أر من تأول ذلك على المنع أما اللخمي فإنه حكى في التأخير اليسير قولين بالتخفيف والكراهة ، وعزا الأول للموازية والثاني للمدونة ، وظاهر ذلك سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده ، ونص كلامه ، وإن طال ما بين العقد والمناجزة بين المتصارفين إما لغيبة النقدين أو لأحدهما ، وقصد التأخير مع بقاء المسجد أو افترقا أو قاما جميعا إلى موضع غير الذي عقدا فيه الصرف فسد متى وقع الطول بشيء من هذه الوجوه ، واختلف إذا كان التأخير يسيرا ، ولم يطل فكرهه مالك مرة ، واستخفه أخرى فقال في كتاب محمد فيمن صرف دراهم بدنانير فقال : أذهب بها إلى الصراف فأرى ، وأزن قال أما الشيء الخفيف فأرجو أن لا يكون به بأس قال : وقد يشبه ما إذا قاما إليه جميعا فأجاز القيام والافتراق عن المجلس إذا كان يسيرا ، وعلى هذا يجوز العقد على ما هو غائب عنهما على مثل ذلك القرب إذا كان في ملكه ، وقال في المدونة : في الذي يصرف دينارا من صراف فيزنه ، ويدخله تابوته لا يعجبني ، وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهمه فيزنها ثم يأخذ الدينار ، ويعطي الدراهم قال محمد : وليرد ديناره إليه ثم يتناجزان ، وهذا كله حماية ، ولا يفسد به صرف انتهى

                                                                                                                            ونقله عنه ابن عرفة فقال : وفي يسير التأخير طرق اللخمي في خفته ، وكراهته قولان لرواية محمد من صرف دراهم بدينار ، وقال أذهب إلى الصراف ليرى ، ويزن لا بأس بما قرب منه وقوله فيها أكره أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم بل يدعه حتى يزن فيأخذ ، ويعطي ثم ذكر طريقة غيره لكنه عزا المسألة لسماع ابن القاسم ، وليست فيه إنما هي في سماع أشهب ونصها في أول رسم منه سئل مالك عن الرجل يصرف من الصراف دنانير بدراهم ، ويقول له : اذهب بها فزنها عند هذا الصراف ، وأره وجوهها ، وهو قريب منه فقال : أما الشيء القريب فأرجو أن لا يكون به بأس ، وهو يشبه عندي ما لو قاما إليه جميعا فأرجو أن لا يكون به بأس فقيل لمالك لعله يقول قبل أن يجب الصرف بينهما أصارفك على أن أذهب بها إلى هذا فيزنها وينظر إليها فيما بيني ، وبينك قال هذا قريب فأرجو أن يكون لا بأس به ، ابن رشد استخف ذلك للضرورة الداعية إذ غالب الناس لا يميزون النقود ; ولأن التقابض قد حصل بينهما قبل ذلك فلم يكونا بفعلهما هذا مخالفين { لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء } ولو كان هذا المقدار لا يسامح فيه في الصرف لوقع الناس بذلك في حرج شديد ، والله تعالى يقول { ، وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وأما قوله وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا فلا شك أن قيامهما إليه جميعا بعد التقابض أحب من قيام أحدهما إليه وحده ، وقيل إن قوله هذا مخالف لكراهته في المدونة أن يتصارفا في مجلس ، ثم يقومان فيزنان في مجلس آخر وليس عندي هذا خلافا له ; لأن مسألة المدونة فأما بعد عقد التصارف ، وقبل التقابض من مجلس إلى مجلس ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك وهذه المسألة إنما قاما فيها بعد التقابض للضرورة الماسة في ذلك انتهى .

                                                                                                                            فانظر كلام ابن رشد فليس فيه إجازة التأخير القريب ، بل لا بد عنده من التقابض ، ومسألة المدونة التي أشار إليها ابن رشد هي قولها ، وأكره أن يصارفه في مجلس ، ويناقده في مجلس آخر قال أبو الحسن : الكراهة هنا على المنع ، وقال في الطراز : في شرحها للمسألة صورتان : إحداهما : أن يعقد معه الصرف ، ويريه الذهب فيقول : أذهب لأريه وأزنه فهو الذي ، وقع فيه الكراهة ، واختلف فيه القول والثانية : أن يزن له الذهب ويتقابضا جميعا ، ثم يبقى في نفس أحدهما شيء [ ص: 304 ] فيقول : أذهب لأستعيره فهذا لا يضر الصرف ; لأنه قد تم شرطه الذي هو القبض انتهى .

                                                                                                                            وقوله لأستعيره معناه أزنه من العيار فقد علم أنه إذا تقابضا العوضين ثم قاما معا أو قام أحدهما إلى الحانوت ، والحانوتين للوزن والتقليب فذلك جائز ، ولا يفسد به الصرف ، وإذا وجد فيه ما يستحق البدل أبدله ، ولا ينتقض بذلك الصرف كما يفهم مما تقدم ، وقوله في الطراز إثر كلامه المتقدم ، وله أن يستعير ذلك من غير إذن صاحبه فإن وجده ناقصا ، ومعه بينة لم تفارقه أو صدقه ربه فله فسخ العقد ، وإن لم تكن له بينة ، فله أن يحلفه إنما يعني به إذا اطلع على شيء بعد الطول كما سيأتي في كلام المصنف الثالث : إنكاره في التوضيح القول الثاني الذي حكاه ابن الحاجب تبع في ذلك ابن عبد السلام ، وتبعه ابن عرفة فاعترض على ابن شاس وابن الحاجب في حكايته ، ونصه وقول ابن شاس إن المفارقة قبل التقابض إن بعدت اختيارا بطلت وكذا طول المجلس ، وإن لم يفترقا وإن قربت فالمشهور الإبطال ، والتصحيح في الموازية وقول ابن الحاجب المفارقة اختيارا تمنع المناجزة ، وقيل إلا القريبة يقتضي وجود القول بالصحة في قريب مفارقة أحدهما الآخر قبل مطلق القبض ، وإن لم يكن من تمام الصرف ، ولا أعرفه ولا يؤخذ مما تقدم يريد ما تقدم من كلام اللخمي وابن رشد ، وقال قبله ، وقول سند أباح مالك القيام من المجلس للقبض مما هو في حكم المجلس لا أعرفه قلت ، وانظر قول ابن شاس وابن الحاجب المفارقة هل معناه مفارقة أحدهما الآخر أو مفارقة المجلس الذي عقدا فيه الصرف ؟ أو ما هو أعم من ذلك ؟ وهذا هو الظاهر ، ويظهر من كلام اللخمي المتقدم أنه فهم من الموازية جواز ذلك وكذلك صاحب الطراز بل كلامه صريح في ذلك قال في شرح قوله من المدونة في مسألة تسلف أحدهما إن كان قريبا ، ولا يقومان إلى موضع يزنها فيه ، ويتناقدان في مجلس سوى المجلس الذي تصارفا فيه ظاهره يقتضي تعيين مجلس الصرف .

                                                                                                                            ولا يجوز مفارقته قبل التقابض ، ويختلف فيما قرب ثم ذكر كلام العتبية ، والموازية ثم قال : فأجاز القيام عن مجلس العقد إلى غيره قال الباجي : في هذه الرواية معناه أن يكونا لقربهما في حكم المتجالسين فأما إن تباعد ذلك حتى يرى أنه افتراق من المتصارفين فلا يجوز ، ويفسد به العقد ، وقال أصحاب الشافعي : لا بأس أن يصطحبا من محلهما إلى غيره ليوفيه : لأنهما لم يفترقا ، ثم رد عليهم ، ثم قال : إذا ثبت ذلك فالقياس يوجب فساد العقد ، ورده متى وقع ، وهو ظاهر الكتاب حيث شرط أن لا يتناقدا في مجلس غير المجلس الذي تصارفا فيه والاستحسان أن يغتفر في ذلك ما قرب ; لأن الحاجة تمس في اعتبار الوزن ، وانتقاد العين مع أن القرب في حكم الفور ، وسوى مالك في الاستحسان بين أن يذهبا جميعا أو يذهب أحدهما ثم قال في شرح مسألة إذا عقده ثم مضى معه إلى الصيارفة ما نصه : إذا تصارفا في مجلس ، وتقابضا في مجلس آخر فالمشهور منع ذلك على الإطلاق ، وقيل يجوز فيما قرب انتهى .

                                                                                                                            الرابع إذا علم ذلك فقول المصنف : ومؤخر ، ولو قريبا معناه يحرم الصرف المؤخر قبض عوضيه أو أحدهما عن محل العقد ، ولو كان التأخير قريبا ، ويتنزل منزلة ذلك ما إذا تراخى القبض عن العقد ، وهما بالمجلس تراخيا طويلا ، وأما إذا كان يسيرا ، فإنه لا يفسد العقد وإن كان مكروها ، فقد تقدم أنه كره للصيرفي إدخال الدينار تابوته قبل إخراجه الدراهم ، وفي الموازية عن ابن القاسم أنه كره لمن ابتاع ألف درهم بدينار فوزن ألف درهم أن يزن ألفا أخرى قبل فراغ دنانيره الأولى ذكره ابن يونس ، وذكر ابن جماعة في باب المناجزة في الصرف أن لا يجوز لمن باع طعاما بطعام أن يتشاغلا ببيع آخر حتى يتناجزا ; لأنه كالصرف فإن تشاغلا ببيع آخر ، ولم يطل كان مكروها ، وإن طال كان العقد الأول فاسدا قال [ ص: 305 ] وكذلك مسألة الرد في الدرهم ، وقبله شارحه ، ووجهه بأنه صرف ، وقال في المدونة على اختصار ابن يونس : فيمن اشترى سيفا محلى بالفضة كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن مكانه ، فكان ينبغي أن لا يبيع السيف حتى يدفع الثمن فإذا وقع ذلك ، ونقده مكانه لم ينقض البيع ، ورأيته جائزا

                                                                                                                            وأما إن قبض المبتاع السيف ، وفارق البائع قبل أن ينقده الثمن فسد البيع ، ثم إن باعه فبيعه جائز ، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد فات بالبيع ، وقال صاحب الطراز وجملة ذلك أن المعقود عليه ثمن ومثمن فالثمن الدنانير والدراهم ، وما عدا ذلك مثمنات فإن وقع العقد على دنانير بدنانير أو بدراهم أو على دراهم بدنانير أو دراهم ، وقال كل واحد من المتعاقدين لا أدفع حتى أقبض لم يتعين على أحدهما وجوب التسليم قبل الآخر ، وقيل لهما إن تراخى قبضهما عن العقد انفسخ الصرف فإن كانا بحضرة حاكم ففي الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم يوكل من يحفظ علاقة الميزان ، ويأمر كل واحد أن يأخذ عين صاحبه من الكفة التي هو بها ، وفي الدراهم بالدنانير يوكل عدلا يقبض منهما ، ويسلم لهما جميعا معا فيقبض من هذا في وقت قبض هذا ، وإن وقع العقد في شيء من المثمنات كعرض بعرض ، وتشاحا في الإقباض فعلى ما ذكرنا في الذهب ، والورق إلا أن العقد لا يفسخ بتراخي القبض عنه ، ولا بافتراقهما من مجلسه ، وإن وقع العقد في شيء من المثمنات بشيء من الأثمان ومنه مسألة الكتاب فقال ابن القاسم : يلزم المبتاع تسليم الثمن أولا ثم قال : إذا ثبت ذلك ينبغي إن كان الصرف في ثمن ومثمن أن لا يقبض المشتري المثمن حتى يدفع الثمن ; لأن الصرف بيع وقبضه كقبضه ، وإنما يتميز الصرف بأن القبض فيه حق للشرع فانقبض فيه المثمن قبل الثمن لم يضر العقد ; لأن المراد باشتراط القبض المناجزة وهي حاصلة أما إذا تسلم السيف مبتاعه فباعه قبل أن ينقد ثمنه لم يجز الصرف قال الباجي : وكذلك إذا قبض أحد المتصارفين فإن كان بالفور ، ونقد ثمنه قبل أن يذهب مبتاع السيف به جاز ; لأن المراعى في الصرف القبض قبل تفرق المتصارفين وقبل غيبة أحد العوضين ، وإن ذهب بالسيف مبتاعه قبل أن ينقد بائعه ثمنه لم يجز الصرف

                                                                                                                            قال الباجي : وكذلك إذا قبض أحد المتصارفين الدنانير فأنفذها إلى بيته ثم دفع الدراهم لم يجز ثم قال : ولو باع السيف مبتاعه ، وهو بيد بائعه الأول ثم نقد ثمنه ، وتسلمه من بائعه ثم سلمه جاز قال في الموازية ، وهو في سماع أصبغ إن صرفت دراهم ثم بعتها في مقامك قبل أن تقبضها فذلك جائز إن قبضتها أنت فدفعتها إلى مبتاعها منك ، وإن أمرت الصراف يدفعها إليه فلا خير فيه قال في الموازية : وإن لم تبرحا بعتها بعرض أو بدنانير انتهى مختصرا وبعضه بالمعنى .

                                                                                                                            ومسألة العتبية التي ذكرها هي في رسم البيوع الثاني من السماع المذكور من كتاب الصرف ، وزاد ولو باعها من الصراف نفسه قبل أن يقبضها من الصراف بما يجوز له بيعه لم يكن به بأس قال ابن رشد : أما قوله لا يجوز بيعها قبل قبضها إلا أن يقبضها هو صحيح في مذهبه على أن الحوالة لا تجوز في الصرف ، وإن قبض المحال بحضرة المحيل ، وعلى قول سحنون بإجازة ذلك إذا قبض المحال بحضرة المحيل يجوز إذا قبضها المشتري بحضرته ، وأما بيعه إياها من الصراف نفسه فجائز على ما قال إذا باعها بما يجوز له بيعها منه ، وهو يجوز له أن يبيعها منه بما شاء من العروض انتهى . وقال في المسائل الملقوطة في المسائل التي انفرد بها مالك : من باع من رجل دراهم بدنانير وقبض الدنانير ، ثم باعه بالدراهم عرضا جاز انتهى بخلاف ما إذا أراد أن يصرف منه الدنانير بدراهم فإنه لا يجوز حتى يطول الفصل بين الصفقتين انظر كتاب [ ص: 306 ] الصرف من المدونة قال في المدونة : وإن صرفت من رجل دينارا بدراهم فلم يقبضها حتى أخذت منه بها سلعة أو قبضت منه نصفها ، وأخذت بنصفها سلعة مكانك فذلك جائز ، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك ، ولو صرفت منه بدراهم على أن تأخذ منه بها سمنا أو زيتا نقدا أو مؤجلا أو على أن تقبضها ثم تشتري بها هذه السلعة فذلك جائز ، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك ; لأن البيع إنما وقع بالسلعة ، واللفظ لغو .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية