الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وجاز بمنزل وطء وبول مستقبل القبلة ومستدبرها وإن لم يلجأ أول بالساتر وبالإطلاق )

                                                                                                                            ش يريد وغائط كما صرح به في المدونة وظاهر كلام المصنف أن البول والغائط يجوز في المنزل مستقبل القبلة ومستدبرها سواء كان في مرحاض أم لا وسواء كان بينه وبين القبلة ساتر أم لا وهو ظاهر المدونة .

                                                                                                                            قال في تهذيب البراذعي ولا يكره استقبال القبلة واستدبارها لبول أو غائط والمجامعة إلا في الفلوات وأما في المدائن والقرى والمراحيض التي على السطوح فلا بأس به وإن كانت تلي القبلة قال في التنبيهات : ظاهر الكتاب في استقبال القبلة واستدبارها في المدائن والقرى الجواز في المراحيض وغيرها من غير ضرورة لقوله : إنما عني بذلك الصحاري والفيافي ولم يعن المدائن والقرى لدليل جواز مجامعة الرجل زوجته إلى القبلة ولا مشقة في الانحراف عنها وهو تأويل اللخمي وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو الوليد خلاف ما قاله في المجموعة إنما ذلك في الكنيف للمشقة ونحوه في المختصر وقيل : إنما جاز ذلك في السطح إذا كان عليه جدار . انتهى ، وقال عبد الحق في التهذيب : قال مالك : في المختصر ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط في الفلاة والسطوح التي يقدر على الانحراف فيها قال الشيخ : لم يشترط في المدونة السطوح وما شرط في هذا بل أباح ذلك في السطوح مجملا وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا : لا يجوز أن يتغوط مستقبل القبلة ولا مستدبرها في سطح لا يحيط به جدر وذلك كالفيافي وقال : إنه منصوص هكذا وأنه ليس بخلاف للمدونة وإنما تحمل مسألة المدونة على سطح يحيط به جدر وهذا عندي لا معنى له ولا فرق عندي بين سطح مستور وغيره ، ومثل ذلك ذكر عن أبي عمران انتهى .

                                                                                                                            إذا علم ذلك فإن كان مرحاض وساتر فلا خلاف في الجواز كما صرح بذلك ابن بشير ونقله المصنف في التوضيح وابن عرفة وابن ناجي وإذا كان مرحاض ولم يكن عليه ساتر فحكى ابن عرفة فيه طريقين الأولى للمازري في المعلم يجوز اتفاقا قال وقبله عياض في الإكمال والثانية لعبد الحق في التهذيب إنه يجوز ، قال : وقول بعض شيوخنا لا يجوز وزعمه أنه منصوص موافق لها بعيد انتهى يشير إلى ما تقدم وهما التأويلان اللذان أشار إليهما المصنف بقوله وأول بالساتر وبالإطلاق واعترض ابن عرفة على عياض بأنه قبل في الإكمال كلام المازري وقبل في التنبيهات كلام عبد الحق في التهذيب ، وتحصل من هذا أن الجواز هو المذهب إما اتفاقا أو على الراجح وهو الذي اختاره صاحب الطراز ، فإن كان هناك ساتر ولم يكن مرحاض ففيه قولان ذكرهما المازري في المعلم ونقلهما عنه الأبي وغيره ونص كلام الأبي عنه واختلف في جواز ذلك في المدن بساتر دون مرحاض ثم ذكر الأبي عن عياض أنه قال : قال بعض شيوخنا : الظاهر الجواز انتهى وهو ظاهر المدونة كما تقدم وعزاه اللخمي لها وعدم الجواز وهو مذهب المجموعة ومختصر ابن عبد الحكم وقال ابن عرفة : بساتر فقط ، أي وفي الجواز بساتر فقط قولا التلقين مع اللخمي عنها وابن رشد [ ص: 280 ] والمجموعة مع المختصر بناء على أن الحرمة للمصلين أو للقبلة .

                                                                                                                            فعلم من هذا أن الراجح من القولين الجواز وهو مقتضى إطلاق المصنف وأما إذا لم يكن ساتر ولا مرحاض وكان ذلك بالمنزل فظاهر المدونة وكلام عياض وعبد الحق في التهذيب للمتقدمين الجواز وظاهر كلام ابن بشير أنه لا يجوز فإنه قال : الموضع إن كان لا مراحيض ولا ساتر فلا يجوز فيه الاستقبال ولا الاستدبار أو يكون فيه مراحيض وساتر فيجلس على ما تقتضيه المراحيض أو يكون ساتر ولا مراحيض ففي المذهب قولان وسبب الخلاف هل العلة حرمة المصلين فيجوز بالساتر أو حرمة القبلة فلا يجوز أصلا ؟ انتهى ، وإطلاق كلام المصنف جار على إطلاق عياض وعبد الحق وهو الذي يفهم من كلام صاحب الطراز فإنه قال : وهل يجوز في موضع قضاء الحاجة من المدائن ؟ ظاهر الكتاب يحتمله وقد منعه مالك في مختصر ابن عبد الحكم انتهى فجعل كلام ابن عبد الحكم مخالفا للمدونة وحمله على أن المراد به سطح لا مرحاض فيه ولا ساتر كالفضاء الذي في المدائن وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال : ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها لبول ولا غائط إذا كان في الصحاري ، واختلف عن مالك في ذلك في المدائن فأجازه في المدونة وقال في مختصر ابن عبد الحكم ذلك في الصحاري والسطوح التي يقدر فيها على الانحراف وأما المراحيض التي عملت على ذلك فلا بأس ، ثم قال : واختلف في تعليل الحديث فقال من نصر القول الأول : إن ذلك لحق من يصلي في الصحاري من الملائكة وغيرهم لئلا ينكشف إليهم ، واحتج بحديث ابن عمر وقيل : ذلك لحرمة القبلة تعظيما وتشريفا وهذا يستوي فيه الصحاري والمدن وهو أحسن ثم احتج لذلك ونصره وقد بنى المازري في المعلم الخلاف في جوازه في الشوارع التي في المدن على الخلاف في العلة المذكورة هل هي لحرمة المصلين فيجوز أو للقبلة فلا يجوز ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية