الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( إلا أن تختلف المنفعة )

                                                                                                                            ش : أي إلا أن تختلف منافع الجنس الواحد فيجوز حينئذ سلمه في أكثر منه وفي أقل وفي أجود وفي أردأ ; لأن اختلاف المنافع تصير الجنس الواحد كالجنسين ومثل ذلك بالفاره من الحمر الأعرابية فإنهما جنس واحد لكن اختلاف المنفعة صيرهما جنسين وكذا السبق في الخيل والحمل في الإبل والقوة على الحرث والعمل في البقر وكثرة اللبن في الغنم والصغر والكبر في غير الآدمي والغنم كما سيأتي وكذلك رقيق القطن وغليظه ورقيق الكتان وغليظه وكذلك الحرير والصوف .

                                                                                                                            ص ( كفاره الحمر في الأعرابية )

                                                                                                                            ش : ( فرع ) قال في التوضيح : والمشهور أن البغال والحمير جنس ، وهو مذهب المدونة خلافا لابن حبيب أنهما جنسان إلا أن يقرب ما بينهما هكذا حكى القولين غير واحد ا هـ ، وقال ابن عبد السلام : وهل البغال مع الحمير كالجنس الواحد فلا يسلم حمار في بغل ولا بغل في حمار حتى يتباينا كتباين الحمير أو تباين البغال ؟ هذا [ ص: 525 ] مذهب المدونة أو هما جنسان والأصل الجواز إلى أن يقرب ما بينهما ، وهو مذهب ابن حبيب ، وهو الأظهر ا هـ .

                                                                                                                            ص ( وسابق الخيل )

                                                                                                                            ش : قال ابن عبد السلام : اختلف المذهب هل تختلف الخيل بالصغر والكبر فحكى غير واحد أنها تختلف بذلك ، وقال ابن دينار لا تختلف الصغار من الكبار في جنس من الأجناس ا هـ والقول الأول عليه مشى المصنف فيما يأتي قريبا واعتبر اللخمي في الخيل الجمال أيضا ص ( لا كهملاج )

                                                                                                                            ش : قال في القاموس الهملاج بالكسر من البراذين الهملج والهملجة فارسي معرب وشاة هملاج لا مخ فيها لهزالها وأمر مهملج مذلل منقاد ، وقال ابن غازي قال في الخلاصة : والهملجة والهملاج حسن سير الدابة في سرعة ، ودابة هملاج الذكر والأنثى فيه سواء .

                                                                                                                            ص ( وبقوة البقرة ولو أنثى )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح : البقر يقع على الذكر والأنثى ، وإنما دخلته التاء على أنه واحد من جنس والجمع البقرات انتهى . وقال في القاموس : البقرة للمذكر والمؤنث الجمع بقر وبقرات وبقر بضمتين ا هـ . وتصور كلام المصنف ظاهر قال في التوضيح : ( تنبيه ) والجواز على قول ابن القاسم إنما هو إذا كان في معنى المبايعة بأن تسلم البقرة القوية في بقرتين أو أكثر أما سلم بقرة قوية في بقرة ليست كذلك فنص بعضهم على المنع ، وهو ظاهر ; لأنه ضمان بجعل وعكسه سلف بزيادة لكن نص في الموازية على خلافه فإنه أجاز فيها سلم فرسين سابقين في فرسين ليسا كذلك ا هـ .

                                                                                                                            ( قلت ) الذي نقله ابن عرفة على الموازية أنه أجاز سلم فرسين في فرسين فيجوز ذلك وعليه فسلم ما ذكره الشيخ عن بعضهم من المعارضة ولا ينبغي أن يكون خاصا بالبقرة بل جار في جميع ما تقدم وما يأتي فتأمله فإنه حسن جدا ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وصحح خلافه )

                                                                                                                            ش : أي صحح ابن الحاجب القول بأن الضمان لا يختلف بكثرة اللبن ، وهذا القول قال الشارح : حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه وعزاه ابن عبد السلام لابن القاسم ، وقال : يريد والله أعلم لأن اللبن في الضأن كالتابع لمنفعة الصوف ; ولأن لبنها غالبا أقل من لبن المعز وأما المعز فمنفعة شعرها يسيرة ولبنها كثير فهو المقصود منها ا هـ .

                                                                                                                            ( فإن قلت ) الحكم في ذلك الجواز ولوضوحه سكت المصنف عنه إلا أنه يستثنى من ذلك الضأن والمعز فإنه حكم في المدونة للغنم كلها بأنها جنس واحد قال في أول كتاب السلم من المدونة : ولا بأس أن يسلف الإبل في البقر والغنم ويسلف البقر في الإبل والغنم ويسلف الغنم في الإبل والبقر ويسلف الحمير في الغنم والإبل والبقر والخيل وكره مالك أن يسلف الحمير في البغال إلا أن تكون الحمر الأعرابية التي يجوز فيها أن يسلف الفاره النجيب وكذلك إذا سلفت الحمير في البغال والبغال في الحمير واختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي فجائز ا هـ .

                                                                                                                            ثم قال : ولا يسلف صغار الغنم في كبارها ولا كبارها في صغارها ولا معزها في ضأنها ولا ضأنها في معزها ; لأنها كلها منفعتها للحم لا للحمولة إلا شاة غزيرة اللبن فلا بأس أن تسلم في مواشي الغنم وإذا [ ص: 526 ] اختلفت المنافع في الحيوان جاز سلم بعضها في بعض اتفقت أسنانها أو اختلفت ا هـ قال ابن عبد السلام بعد أن ذكر ما ذكرناه : وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل هو المنصوص لهم والفقه الجلي هو ما قاله في المدونة بإثر هذه المسألة ، وهو قوله وإذا اختلفت المنافع في الحيوان إلخ فهذا من كلام المتقدمين هو الذي يعتمد عليه ، ثم المفتي والقاضي بعد ذلك ينظر في الوجه الذي يكون به الاختلاف غالبا عند الناس فيربط الحكم به وربما كان غير الفقيه أعرف بذلك الوجه من الفقيه فلا ينبغي للفقيه أن يتقيد بهذه المسائل وشبهها مما هو مبني على العرف والرواية بل يتبع مقتضى الفقه حيثما وجده ، والله أعلم .

                                                                                                                            ا هـ كلام ابن عبد السلام .

                                                                                                                            ص ( وكصغيرين في كبير إلى آخره )

                                                                                                                            ش : يعني أن مما يختلف به الجنس الواحد ويصير كالجنسين الصغر والكبر في الحيوان إلا في جنسين : الغنم وبني آدم قال في التوضيح قال ابن القاسم : الصغار والكبار من سائر الحيوان مختلفان إلا في جنسين : الغنم وبني آدم ا هـ .

                                                                                                                            فلذلك لا يجوز سلم صغيرين في كبير وعكسه أي كبير في صغيرين ، وهذا لا خلاف فيه وأما سلم كبير في صغير وعكسه أو كبيرين في صغيرين وعكسه ففي ذلك قولان المشهور الجواز إن لم يؤد للمزابنة وتؤولت على خلافه أي أنه لا يجوز سلم الصغير في الكبير وعكسه ، سواء اتحد أو تعدد قال في التوضيح : وفهم بعضهم المدونة عليه ، وقوله : إن لم يؤد للمزابنة قال في التوضيح : معنى المزابنة هنا يعني القمار والخطر ; لأن إعطاء الصغير في الكبير إلى أجل يكبر فيه فكأنه قال له : اضمن هذا إلى أجل كذا فإن مات كان في ذمتك وإن سلم عاد إلي وكانت منفعته لك وفيما إذا أعطاه الكبير في الصغير كأنه قال له : خذ هذا الكبير على صغير يخرج منه ا هـ .

                                                                                                                            ص ( كالآدمي والغنم )

                                                                                                                            ش : أي فلا يجوز من الصنفين صغير في كبير ولا عكسه ولا صغيران بكبير ولا عكسه .

                                                                                                                            ص ( وكجذع طويل غليظ في غيره )

                                                                                                                            ش : أي في جذع ليس كذلك أي مخالف له في الطول والغلظ وفي جذعين أو ثلاثة ليست مثله قال في السلم الأول من المدونة : والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافهما كجذع نخل كبير غلظه وطوله كذا في جذوع نخل صغار لا تقاربه فيجوز وإن أسلمته في مثله صفة وجنسا فهو قرض إن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورد السلف ولا يسلف جذع في نصف جذع من جنسه وكأنه أخذ جذعا على ضمان نصف جذع وكذلك هذا في جميع الأشياء وكذلك ثوب في ثوب [ ص: 527 ] دونه أو رأس في رأس دونه إلى أجل لا خير فيه ا هـ .

                                                                                                                            وإذا علم هذا فقول ابن الحاجب كجذع طويل أو غليظ في جذع يخالف ليس بظاهر ; لأنه يقتضي أن اختلافهما في الطول كاف وليس كذلك وقد اعترضه ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وتبع صاحب الشامل كلام ابن الحاجب ، والله أعلم . وأما سلم الغليظ في الرقاق فقد اعترضه بأنه يمكن قسمه على جذوع وأجيب بوجوه ( الأول ) أن المراد إذا كان الكبير لا يجعل فيما يجعل فيه الصغار أو لا يخرج منه الصغار إلا بفساد لا يقصده الناس ( الثاني ) أن الكبير من نوع غير نوع الصغير ( الثالث ) أن المراد بالجذع الصغير المخلوق لا المنجور ; لأن المنجور يسمى جائزة لا جذعا ، وهذا الجواب لعياض ، وهو الظاهر ( تنبيه ) يفهم من الجواب الثاني أن الخشب أصناف قال في التوضيح : وهو ظاهر كلام ابن أبي زمنين فإنه قال في قول المدونة سلف جذع لو كان في نصف جذع لو كان الجذع مثل الصنوبر والنصف من النخل أو من نوع غير الصنوبر لم يكن به بأس على أصل ابن القاسم وفي الواضحة الخشب كله صنف وإن اختلفت أصوله إلا أن تختلف المنافع والمصارف مثل الألواح والجوائز وشبهها وتردد بعضهم هل كلام ابن حبيب موافق لما قاله ابن أبي زمنين أو مخالف له ا هـ .

                                                                                                                            من ابن عبد السلام ومثله في التوضيح وجعله الشامل خلافا وقد تقدم كلام ابن أبي زمنين وعطف الثاني بقيل ، والله أعلم . والحاصل على هذا ا الراجح أنه إذا اختلفت أصول الخشب جاز سلم بعضه في بعض وإن لم تختلف فلا يجوز إلا أن تختلف المنفعة كما تقدم ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( لا جمل في جملين مثله )

                                                                                                                            ش : لا مفهوم لقوله : مثله ، وإنما هو تنبيه بالأخف على الأشد انظر التوضيح والكبير .

                                                                                                                            ص ( وكطير علم )

                                                                                                                            ش : قال ابن عرفة ابن رشد : لا خلاف في المذهب أن ما يقتنى من الطير للفراخ والبيض كالدجاج والإوز والحمام كل جنس منه صنف على حدته صغيره وكبيره ذكره وأنثاه وإن تفاضل بالبيض والفراخ فإن اختلف الجنسان جاز واحد منه باثنين لأجل وما كان منه لا يقتنى لبيض ولا فراخ إنما يتخذ للحم فسبيلها سبيل اللحم عند ابن القاسم لا يراعي حياتها إلا مع اللحم وأشهب يراعيها في كل حال فيجوز على مذهبه سلم بعضها في بعض إذا اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو فراخ ا هـ .

                                                                                                                            وكلام ابن رشد هذا في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال ، ثم قال ابن عرفة المتيطي عن ابن حبيب الدجاج والإوز صنف واحد والحمام صنف وما لا يقتنى من الوحش كالحجل واليمام هو كاللحم لا يباع بعضه ببعض حيا إلا تحريا يدا بيد قال ابن عرفة : قلت وظاهر كلام ابن رشد [ ص: 528 ] أن الإوز والدجاج جنسان وظاهر نقل المتيطي أنهما جنس واحد وهما معا في قطر الأندلس ا هـ .

                                                                                                                            ونقله الرجراجي ، وقال : وأما سائر الطير والوحش مما لا يقتنى لفراخ ولا بيض مثل الحجل واليمام مجراه مجرى اللحم لا يباع بعضه ببعض وإن حيا إلا تحريا يدا بيد ولا يجوز بأوز أو دجاج أو حمام ; لأنه من باب اللحم بالحيوان ا هـ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية