الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وله البيع مطلقا ، وإن لم يذكر سببه )

                                                                                                                            ش : يعني أن الأب له أن يبيع على ولده المحجور الربع وغيره لأحد الوجوه المذكورة بعد ، أو غيرها ، وقاله ابن عبد السلام وغيره قال في التوضيح : ولو باع من نفسه ، ولم يذكر أنه باع لولده فالبيع ماض ولا اعتراض فيه للابن إذا رشد ، قاله ابن رشد في الواضحة والثمانية فإن باع لمنفعة نفسه فسخ ا هـ . وقال في الشامل وحمل في بيعه وشرائه أنه على النظر حتى يثبت غيره إلا فيما يشتريه له من مال نفسه فالعكس ولو باع من نفسه ، ولم يقل لولدي فلا مقال للولد . ابن رشد إلا أن يكون باع لمصلحة نفسه على الأصح ا هـ . وقال في النوادر في ترجمة ما يفعله الأب في مال ولده من كتاب التفليس ، والمأذون والمولى عليهم ما نصه : " قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وما باع الأب ، أو رهن من متاع ولده لنفسه فهو مردود ، وإن عرف أنه فعله لنفسه ، ولأنه قد يفعله لولده ، وإن لم يعرف فهو على أنه فعله لولده حتى يعلم أنه فعله لنفسه لدين عليه ، أو غيره وهذا في عدمه ، وأما ، وهو مليء فذلك ماض ، ويضمن الثمن قال وما اشترى لنفسه من رقيقهم وعقارهم فذلك نافذ إلا بالنجس البين فيرد كله ومتى قارب الأثمان مضى وما باعه من مال ولده الصغير محابى فيه ، فإن صغرت المحاباة مضى وكان في مال الأب كالعطية وما عظم رد كله .

                                                                                                                            ثم قال بعد ذكره عتقه وأصبغ يجيز هذا كله من فعل الأب من هبته ، وبيعه وعتقه وأصدقة النساء مليا كان أو معدما ، قائما كان أو فائتا ، طال أمد العقد أو لم يطل ، بنى بالمرأة أو لم يبن ، كان البيع له أو لنفسه ، فهذا كله نافذ ويلزم الأب قيمة ذلك لبنيه في ماله وذمته إلا أن يكون السلطان تقدم إليه في ذلك ونهاه عنه فلا يجوز بعد ذلك فعله في شيء من ذلك ، وبالأول قال ابن حبيب ا هـ . وانظر النوادر أيضا في كتاب النكاح والعتق ، وقال في مختصر الواضحة قال ابن حبيب قال لي مطرف وابن الماجشون : يمنع الرجل أن يقضي في مال ولده الصغير إلا بالنظر له والتنمي في ماله والتوفير عليه ، فإذا تصرف فيه بشيء نظر فيه بعد الوقوع فما أعطى من مال ولده الصغير ومتاعه ورقيقه وعقاره فسائغ للمعطى ، وعلى الأب قيمته في ماله عوضا مما أعطى شرط الأب العوض يوم أعطى ، أو لم يشترط وذلك إذا كان الأب موسرا يوم أعطى أو معسرا ، ثم أيسر فلا سبيل للولي إلى المعطى إلا أن يكون الأب قد أعسر من بعد يسره فلم يجد عنده شيئا فإن الابن يرجع على المعطى بسببه [ ص: 70 ] ذلك إن كان قائما ، أو بقيمته إن فات عنده بسبب كعتق أو إيلاد ، أو بلي الثوب ، أو تغير الطعام ، أو بيع ، ويأكل الثمن ويرجع بذلك المعطى على الأب ويتبعه به ; لأنه أعطاه كان جائزا له إذا كان ذا مال ولما أيسر صار ضامنا لقيمته لولده فساغت للمعطى قال ، وما كان من فواته من أمر من السماء ، وما أشبهه فإنه لا يضمن قال : وإن كان الأب يوم أعطى معسرا فذلك غير جائز ، شرط الأب العوض أو لم يشترطه ، فإن أدرك ذلك قائما في يد المعطى وكان الأب متصل العدم رد

                                                                                                                            وإن فات أخذ قيمته من المعطى ، ولم يكن له رجوع على الأب ; لأنه أعطاه ما لم يكن له إعطاؤه حين كان معسرا وكان بمنزلة ما أعطى من مال غير ولده ، ثم أخذ ذلك من المعطى فإنه لا يرجع به على المعطى قالا : وما باع الرجل أو رهن من مال ولده فإن جهل أن يكون فعل ذلك لنفسه ، أو ولده فهو ماض ; لأنه يلي ولده وينفق عليهم من مالهم إن شاء ويرهن لهم ويبيع لهم فذلك جائز حتى يعلم أنه إنما فعل ذلك لنفسه ، وفي منفعته بخاص ، أو لدين كان عليه قديما قبل أن يصير لولده ذلك المال وما أشبه هذا فيرد وذلك إن كان الأب معسرا فأما إن كان ذا مال ، أو كان له وفاء بثمن ما باع فبيعه ماض بمنزلة ما لو أعطى فيما فسرت لك .

                                                                                                                            ثم قال : وكذلك ما أصدق النساء من رقيق ولده الصغير ، أو غير ذلك من متاعه فإن كان موسرا فهو ماض ، وهو ضامن للقيمة في ماله ، وإن كان معسرا ، فقال مالك : ترد للولد ما لم يبن الأب بها فيمضي ، وإن كان قائما ، ثم قال ، وقد روي عن أبي جعفر عن أشهب أنه سئل عن رجل تزوج بمال ولده ، أو أعتق ، أو وهب أو باع قال : إن كان موسرا يوم فعل ذلك جاز ، وإن كان معسرا لم يجز وأخذ الابن ماله كله كان الابن صغيرا أو كبيرا . { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك } قال عبد الملك بن حبيب ، وقد سمعت أصبغ يجيز ذلك كله من فعل الأب بيعه وعتقه وهبته وإصداق النساء موسرا كان أو معسرا قائما ذلك كله أو فائتا طال أمد البعد أم لم يطل ، بنى بالمرأة أو لم يبن ، كان البيع لنفسه أو لولده ، فذلك كله عنده ماض ويلزم الأب قيمة ذلك في ماله وذمته وكذلك قال ابن القاسم : إذا أصدق المرأة من مال ولده الصغير إلا أن يكون السلطان تقدم إليه في ذلك ونهاه عنه فلا يجوز شيء من قضائه فيه بعد ذلك قال عبد الملك : ولا أقول به وقولي فيه على قول مطرف وابن الماجشون ، وقد رجع أصبغ عن بيعه لنفسه ، ولم يجزه ورده مثل قولهما قال عبد الملك : واجتمعوا إذا كان السلطان تقدم إلى الأب أن لا يصدق من مال ابنه الصغير امرأة ، ثم إن فعل فلا يمضي ذلك على الولد ، ويكون أحق بشيئه من المرأة بنى بها أبوه أو لم يبن ، موسرا كان أو معسرا ، علمته المرأة أو جهلته ، وهذا مجتمع عليه من قول مالك وأصحابه ا هـ .

                                                                                                                            وقال ابن رشد : في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات : وحكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير في مصلحة نفسه ، أو حابى فيه حكم ما باعه ، أو تصدق به ويفسخ في القيام ويكون الحكم فيه في الفوات حكم ما ذكرته ا هـ .

                                                                                                                            والمسألة مطولة فيه وفي كتاب النكاح من البيان وفي رسم الجواز من سماع عيسى وسماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس ، وقال ابن سلمون : فإن باع ملك ابنه ، ولم يذكر أنه باع على ابنه فالبيع ماض على الابن ، وإن لم يذكر ذلك في الوثيقة ; لأنه هو المتولي لأموره والناظر له وكذلك الكراء إذا قال : أكريت ، ولم يقل على ابني ا هـ . وقال في كتاب الحجر من الذخيرة : ومن باع ، أو رهن من متاع ولده لنفسه فهو مردود ، وإن عرف أنه فعله لنفسه ، وإن جهل هل لنفسه أو لولده ؟ لا يرد لإمكان صحة التصرف وهذا في عدمه ، وأما في ملائه فيمضي ويضمن الثمن فيما باع لصحة التصرف بحسب الإمكان ا هـ . وقال الجزيري في وثائقه ، وإن لم يذكر الأب أنه باع على ابنه ، أو لنفسه والملك للابن مضى البيع على الابن وكذلك الكراء ، قال ابن الماجشون : إلا أن يتبين أنه باع لنفسه [ ص: 71 ] بخاص فيرد ويجوز بيع الأب العديم مال ابنه إن كان تافها ، وإن كان غبيطا باع منه بمقدار ما يكفيه مدة لا تكون طائلة إذ قد يوسر الأب ، ولم يحدوا المدة إذ هي مصروفة إلى الاجتهاد بحسب ما يقتضيه . حال الأب ويفترق حكم من يرجى له ممن لا يرجى ، ويعقد في العقد أنه باع عليه كذا لينفق من الثمن على نفسه ، ويقيد بعد جواز أمر من يعرف عدم الأب ، وأنه لا مال له ظاهرا ولا باطنا في علمه ، والسداد في البيع وصغر الابن ، وإن باع بإذن القاضي كان أبعد من التهمة ، ذكر كيفية كتابة ذلك وقول المؤلف : وله البيع مطلقا ظاهره ولو من نفسه ، وهو كذلك كما تقدم في كلام النوادر ، وهو قوله : وما اشترى لنفسه من رقيقهم وعقارهم فذلك نافذ إلا بالنجس البين فيرد كله وما قارب الأثمان مضى ا هـ .

                                                                                                                            وقال ابن سلمون : وله أن يشتري مال ابنه لنفسه ، ولا اعتراض عليه في شيء من ذلك عقارا كان المال ، أو سواه إلا أن يثبت سوء النظر والغبن الفاحش ، ثم قال : وإن ضمنت العقد : أن الثمن ثمن مثله فحسن ، وإلا فهو محمول على السداد حتى يثبت فيه الغبن ا هـ .

                                                                                                                            قال في المتيطية : وانظر هذا مع ما قاله ابن رشد في الرسم الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات : إنه يحتاج في شراء مال ولده إلى معرفة السداد للابن لئلا يشتريه بأقل من ثمنه ; لأن الأمر فيما بينه وبينه ، وهو فيه محمول على غير السداد قال : وذلك بين من قوله في كتاب الجعل من المدونة وفي رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح ; لأنه شرط في شراء الأب لنفسه الرأس يساق إلى ابنته البكر في صداقها أن يكون الشراء صحيحا ببينة وأمر معروف ا هـ . ويشير إلى قوله في ترجمة نزو الفحل وكره مالك أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه فإن فعل أو أجر الوصي نفسه في عمل يتيم في حجره فإن فعله يتعقبه الإمام فما كان خيرا لليتيم أمضاه ، وكذلك الأب في ابنه الصغير ا هـ . وفي كتاب الصدقة من المدونة : ومن تصدق على ابنه الصغير بجارية فتبعتها نفسه فلا بأس أن يقومها على نفسه ، ويشهد ويستقصي للابن وسيأتي ذلك في كتاب الهبة في كلام المصنف عند قوله وتقويم جارية ، أو عبد للضرورة ويستقصى ويأتي هناك أيضا عند قوله وللأب اعتصارها من ولده حكم ما إذا باع ما وهبه له ، أو تصدق به عليه ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية