الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وضمنه إن اقتضاه لا أرسل به ) ش تصوره من الشارح وضح ولرب الدين أن يطلب أيهما شاء كما صرح بذلك الرجراجي وغيره ويفهم من كلامه في التوضيح ، وقد أشبع الكلام عليها الرجراجي في شرحه على مشكلات المدونة ، وهذه المسألة في السلم الثاني من المدونة فيمن أسلم في طعام وأخذ كفيلا .

                                                                                                                            ونص كلام الرجراجي : لا يخلو قبض الكفيل الطعام من الذي عليه السلم من خمسة ، أوجه ( الأول ) أن يقبضه على معنى الرسالة فلا يخلو الطعام من أن يكون قائما بيده ، أو فائتا فإن كان قائما فالطالب مخير إن شاء اتبع الكفيل ، وإن شاء اتبع الأصل ولا خلاف في ذلك ، وإن فات الطعام فلا يخلو من أن يكون بتلف ، أو إتلاف فإن كان بتلف فهو مصدق ولا ضمان عليه ويبقى عليه الطلب بطريق الكفالة خاصة ، ثم يجري على الخلاف المعهود في الحمالة هل المطالبة على التبدئة ، أو التخيير ؟ وإن كان بإتلاف من الكفيل فهو ضامن للأصل مثل ذلك الطعام فإن غرم الكفيل الطعام للطالب فلا تراجع بينه وبين الأصل فإن غرمه للأصل فإنه يرجع على الكفيل بمثل طعامه وأخذ ثمنه إن باعه ولا خلاف في هذا الوجه ، وإن غرم الكفيل الطعام للطالب بعد أن باع ما أخذ من الأصل غرمه للأصل فأراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه [ ص: 107 ] الثمن فليس له ذلك ( الثاني ) أن يقبضه على معنى الوكالة فإذا قبضه برئت ذمة الوكيل قولا واحدا فإن الطالب يجوز له بيعه بقبض الكفيل فإن تعدى عليه الكفيل بعد صحة قبضه فالعداء على الطالب وقع بلا إشكال .

                                                                                                                            ( الثالث ) أن يقبضه على معنى الاقتضاء إما بحكم حاكم على وجه يصح القضاء بذلك كما إذا غاب الطالب وحل الأجل وخاف الكفيل إعدام الأصل وإحداث الفلس ليؤول ما وقع في المدونة من قوله قبضه بحكم قاض ، أو يكون قبضه برضا الذي عليه الطعام بغير حكم فالكفيل في هذا الوجه ضامن بوضع اليد على الطعام وذمته به ، أو بمثله عامرة حتى يوصله إلى الطالب ، وللطالب مطالبة من شاء منهما اتفاقا مع قيام الطعام بيد الكفيل وفواته فإن غرم الأصل كان له الرجوع على الكفيل بطعامه ، أو مثله إن استهلكه ، أو بثمنه إن باعه إن شاء أخذ الثمن ولا يجوز للطالب أن يبيعه بذلك القبض إن كان قائما ولا أخذ ثمنه إن باعه ; لأن ذلك بيع الطعام قبل قبضه ، فإن أخذ منه الطالب مثل طعامه بعد أن باع ما اقتضاه كان الثمن سائغا له ، فإن أراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك .

                                                                                                                            ( الرابع ) إذا اختلفا في صفة القبض الوكيل يدعي أنه قبضه على معنى الرسالة والأصل يقول : بل على معنى الاقتضاء فقد اختلف المذهب فيه على معنى قولين قائمين من المدونة أحدهما : أن القول قول الأصل وهو قول مالك في كتاب القراض حيث قال : إذا قال القابض قبضته على معنى الوديعة ، وقال رب المال بل قراضا أن القول قول رب المال والثاني أن القول قول القابض ، وهو قول أشهب وغيره وهو ظاهر المدونة في غير ما موضع وسبب الخلاف تعارض أصلين أحدهما : أنهما قد اتفقا على أن المال المقبوض للدافع ولا شيء فيه للقابض ، وقد أقر بقبضه ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه فكان الأصل أن لا يقبل منه إلا بدليل ، والأصول موضوعة على أن وضع اليد في مال الغير بغير شبهة توجب الضمان ، وبهذا القول قلنا القول قول الأصل والأصل الثاني أن الأصل في الحظر والإباحة إذا اجتمعا أن يغلب حكم الحظر ، والكفيل ههنا قد ادعى قبضا صحيحا ، والأصل قد ادعى قبضا فاسدا فوجب أن يكون القول قول القابض الذي هو الكفيل ; لأن قوله قد أشبه ، وقد ادعى أمرا مباحا والأصل قد ادعى الفساد ; لأن الكفيل لا يجوز له قبض الطعام من المكفول ، وإنما عليه مطالبته ليدفع إلى الطالب لكي يبرأ من الكفالة فإذا ادعى عليه أنه قبضه على الاقتضاء فقد ادعى أمرا محظورا ، فيوجب أن لا يصدق ( الخامس ) إذا أبهم الأمر وعرا القبض عن القرائن ، وقد مات الكفيل ، أو الأصل هل يحمل على الرسالة حيث يثبت القبض على الاقتضاء ، أو يحمل على الاقتضاء حتى تثبت الرسالة ؟ فهذا مما يتخرج به قولان انتهى ، ولم يذكر في الوجه الأول إذا قبضه على معنى الرسالة وادعى التلف أنه يحلف ، وقال ابن رشد في شرح أول مسألة من سماع عيسى من كتاب الكفالة : وإن قبض على معنى الرسالة فالضمان من الدافع ، والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل ا هـ . وقال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس : قال ابن المواز : والقول قول الحميل في ضياعه بغير يمين ; لأنه مؤتمن ، وإن اتهم أحلف ا هـ . فتأمله .

                                                                                                                            وقال ابن رشد في الوجه الثاني : إذا قبضه على معنى الوكالة فهو مصدق على ما يدعي من التلف بعد يمينه إن اتهم كالمودع وإذا صدق فيما يدعي من التلف وكانت المصيبة من الطالب برئ المطلوب وسقطت الكفالة ، وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع ، وأما إذا لم تكن له بينة فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف ، ولا اختلاف في هذا إلا أن يدخله الاختلاف بالمعنى من مسألة اللؤلؤ من كتاب [ ص: 108 ] الوكالات من المدونة .

                                                                                                                            وإنما اختلف إذا غرم الدافع هل له أن يرجع على القابض أم لا ؟ فقال مطرف : ويرجع ; لأنه فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى تلف ، وقال لا يرجع حتى يتبين منه تفريط ، وهذا إذا قامت بينة على الوكالة ، أو أقر بها وأما إن ادعاها الوكيل فقيل : القول قوله وقيل : القول قول الموكل ا هـ . وقوله في الوجه الثالث : إذا قبضه على معنى الاقتضاء إن الكفيل ضامن سواء قبضه بحكم حاكم ، أو برضا من عليه الحق في كلام الشيخ أبي الحسن خلاف ; لأنه قال قوله بقضاء سلطان قال عبد الحق : قال ابن وضاح : إن سحنونا أنكر هذا اللفظ ، وقال : ليس للسلطان هنا حكم قال : ورأيت فيما أملاه بعض مشايخنا أنه قال معناه أن يكون الذي له الحق غاب غيبة بعيدة فحل الأجل فقام الكفيل على الذي عليه الحق ، وقال : أخشى أن تعدم إلى أن يقوم الذي عليه ، فأغرم أنا فإن السلطان ينظر فإن كان الذي عليه الحق مليا فلا يكون للحميل عليه شيء ، وإن كان يخاف عليه العدم ، أو كان ملدا قضى عليه السلطان بالحق وأبرأه منه وجعل على يد رجل عدل ، أو على يد الكفيل إن كان ثقة ، ونقله ابن محرز عن فضل بن مسلمة قال الشيخ إلا أن في هذا إحالة للمسألة على وجهها إذ لا ضمان في هذا الفرض الذي ذكر .

                                                                                                                            ومسألة الكتاب فيها الضمان فتأمل هذا ا هـ كلام الشيخ أبي الحسن الصغير وما قاله أبو الحسن صرح به في الذخيرة في الحكم السادس والعشرين من الباب الثاني من كتاب الكفالة ، وإذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله ، والطالب غائب ، وقال أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه قبل قدوم الطالب ، أو لا يخاف إلا أنه كثير اللدد والمطل مكن من ذلك فإن كان الحميل أمينا أقر عنده وإلا أودع لبراءة الحميل والغريم ، وضمان المال من الغائب ; لأنه قبض له بالحاكم ، وإن كان المطلوب مليا وفيها لا يؤخذ منه شيء لعدم الضرورة ا هـ .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) : قال في المدونة في الوجه الثالث لو قضاه الغريم متبرعا ، أو باقتضاء من الكفيل قال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس : معنى تبرعا أنه اقتضاه فدفع ذلك إليه تبرعا ولم يكلفه أن يقضي عليه به سلطان ، وأما لو لم يقبضه فتبرع للغريم بدفع ذلك فظاهر هذا أنه على الرسالة عبد الحق إن قيل إذا قبضه الكفيل بأي شيء يعلم قبضه على الاقتضاء ، أو على الرسالة وهو قد قال سواء تبرع بدفعه ، أو اقتضى عند الكفيل فعلى أي وجه يحمل قبضه إياه إذا وقع مجملا فالجواب أنه إذا لم تكن له قرينة تدل على الاقتضاء ، أو الرسالة فههنا إن كان المطلوب قد تبرع بدفعه للكفيل حمل على الرسالة ، وإن كان الكفيل اقتضاه فيه فهو على الاقتضاء فيضمنه ، وإن قال له خذ علي أني بريء منه ، أو نحو هذا من الكلام فهذه قرينة تدل على الاقتضاء فيضمنه قابضه ، وإن لم يسأله الكفيل بدأ فيه ا هـ . وقال الشيخ أبو إسحاق التونسي بعد أن ذكر كلام المدونة وجه الاقتضاء أن يكون هو المقتضي له ليبرأ من حمالته وتبرأ ذمة الذي عليه الطعام فكأنه يقول : أنا أجير المطلوب دونك فهذا كله أبرأ ذمة الذي عليه الطعام وصار هو المطلوب ا هـ .

                                                                                                                            ( الثاني ) قد تقدم في كلام الرجراجي أنه لا يجوز للكفيل أن يأخذ الحق على وجه الاقتضاء من الغريم فاعلمه ( الثالث ) قد تقدمت الإشارة إلى بعض عبارة التهذيب فينبغي أن يذكرها بكمالها هنا وإذا قبض الكفيل الطعام من الغريم بعد الأجل ليؤديه إليك فتلف عنده فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه قامت بهلاكه بينة ، أو لا كان مما يغاب عليه ، أو لا قضاه ذلك الغريم متبرعا ، أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان ، أو غيره وأما إن أقبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن ا هـ . قال أبو الحسن : إنما ضمنه إذا أخذه على وجه الاقتضاء ; لأنه تعدى فهو ضامن عداء فلذلك ضمنه ولو قامت البينة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية