الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وسننه غسل يديه أولا وصماخ أذنيه )

                                                                                                                            ش : لما فرغ من واجبات الغسل شرع في ذكر سننه وذكر منها أربعا وبقي عليه سنة خامسة وهي الاستنثار وكأنه تركها اكتفاء بذكر الاستنشاق ، ولكن قد تقدم في الوضوء أن كلا منهما سنة مستقلة وهذا هو الظاهر والله أعلم ، السنة الأولى غسل يديه أولا أي قبل إدخالهما في الإناء والكلام فيها كالكلام في الوضوء وقد تقدم مستوعبا . السنة الثانية مسح الصماخين قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب : ولا تجب المضمضة والاستنشاق ولا باطن الأذنين أي الصماخ ومسحه سنة ، انتهى . وجعله ابن عرفة مستحبا فقال : وباطن الأذنين الصماخ يستحب مسحه وظاهرهما كالجسد ، انتهى . وقد يتبادر من عبارة المصنف أن غسل الصماخين سنة وليس هذا مرادا ; لأن ذلك يضر وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد ويغسل أشراف أذنيه وجوبا وصماخهما سنة ، ولا يصب الماء فيها صبا بل يكفئهما على كفه مملوءة ماء ويدير أصبعه إثر ذلك أو معه إن أمكن ، انتهى . فتبع ظاهر عبارة المصنف في التعبير غسل الصماخين وليس ذلك المراد وتبع المصنف على ظاهر عبارته جمع كثير ، وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب : ويراعى في غسل باطن الأذنين إيصال الماء إلى التجعد والتكسر بحمل الماء في اليد إلى الأذن ووضعها في الماء ثم يدلكها ، انظر كلام ابن جماعة التونسي انتهى .

                                                                                                                            قلت وسيأتي كلام ابن جماعة عند قول المصنف ثم بأعلاه وميامنه .

                                                                                                                            ص ( ومضمضة واستنشاق )

                                                                                                                            ش : يعني أن المضمضة والاستنشاق سنتان في الغسل كما أنهما سنتان في الوضوء قال الشيخ زروق في شرح الرسالة في قوله : " وضوء الصلاة " ظاهره أنه يمسح رأسه وأذنيه وتقدم ويثلث مغسوله [ ص: 314 ] ويمضمض ويستنشق ، وأما المضمضة والاستنشاق فسنة كالوضوء ومثلهما باطن الأذنين يعني الصماخين وكذا غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء ، وأما تكرر المغسول فقال خليل حكى عياض عن بعض شيوخه ولا فضيلة في تكراره ; لأنه من الغسل ، انتهى خليل ، أما مسح الرأس فإن قدم غسل رجليه فعله ابن الحاجب وعلى تأخيرهما ففي ترك المسح روايتان : وجه الترك أنه لا فائدة للمسح ; لأنه يغسله حينئذ ، ووجه مقابله أن الأفضل تقديم أعضاء الوضوء وخرجت الرجلان بدليل فيبقى ما عداهما على الأصل ، انتهى . ولم أقف على شيء في مسح الأذنين إلا أنهما تبع الرأس انتهى . فأما مسح الصماخين فسنة والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ص ( وندب بدء بإزالة الأذى )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح ليقع الغسل على أعضاء طاهرة انتهى . واعلم أن الوجه الأكمل أن يغسل مواضع الأذى ثم يغسل تلك المواضع بنية غسل الجنابة قال اللخمي في تبصرته : ويبدأ الجنب بغسل مواضع الأذى ثم يغسل تلك المواضع بنية الغسل من الجنابة وإن نوى ذلك في حين إزالة النجاسة وغسل غسلا واحدا أجزأه انتهى وقال الجزولي : هذا هو الغسل المتفق عليه ، ثم قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم : ومقتضى كلامه يعني ابن الحاجب أنه لو غسل غسلة واحدة ينوي بذلك رفع الحدث وزالت مع ذلك النجاسة أجزأه . ونحوه للخمي وابن عبد السلام وغيرهما خلاف ما يعطيه كلام ابن الحاجب من وجوب الإزالة أولا كما يفهمه غير واحد من كلامه ، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول : كلام ابن الحاجب حق ولا يمكن أن يخالف فيه إذ لا بد من انفصال الماء عن العضو مطلقا ولو انفصل متغيرا بالنجاسة لم يكن القول بحصول الطهارة لهذا المتطهر ، وعلى هذا فلا بد من إزالة النجاسة قبل طهارة الحدث ، انتهى .

                                                                                                                            قلت ما ذكره عن شيخه رحمه الله ظاهر إلا قوله : فلا بد من إزالة النجاسة قبل طهارة الحدث ففيه نظر لجواز حصولهما معا ، وفي الجزولي الكبير واختلف إذا غسل مواضع الأذى بنية الجنابة وزوال النجاسة غسلا واحدا فالمشهور أنه يجزئه ولو شرك بينهما المازري وقيل : لا يجزئ . انتهى .

                                                                                                                            وفي الطراز في باب غسل الجنابة فرع فإن كان على ذكره نجاسة فغسله بنية الجنابة أجزأه وفي تهذيب عبد الحق حكاية عن غيره أنه لا يجزئه غسل النجاسة أو غيره من الحوائل عن غسل الجنابة وإن نواه حتى يغسل المحل بنية الجنابة من الجنابة فقط ، والأول أظهر ; لأنه إذا أوصل الماء إلى بشرته بنية الجنابة أو الحدث فقد وفى بما أمر به من حقيقة الغسل وإن بقي حائل فلا يجزئه حتى يزول ، ولا أثر للنية في شيء من ذلك وإنما المراعى حقيقة غسل البشرة من الجنابة انتهى ونقله القرافي .

                                                                                                                            قال الأبي في شرح مسلم في كتاب الطهارة في شرح حديث ميمونة في الغسل من الجنابة : المشهور أن طهارة الحدث ليس من شرطها أن ترد على الأعضاء وهي طاهرة ، وقال في الجلاب : شرطها ذلك .

                                                                                                                            ص ( ثم بأعضاء وضوئه كاملة مرة )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح في قول ابن الحاجب : والأكمل أن يغسل يديه ثم يزيل الأذى ثم يغسل ذكره ثم يتوضأ . قوله : ثم يتوضأ ، أي بنية رفع الجنابة عن تلك الأعضاء ولو نوى الفضيلة وجبت عليه إعادة غسلها انتهى قوله بنية رفع الجنابة يريد أو رفع الحدث الأصغر قاله ابن عرفة عن اللخمي ونصه : ثم يتوضأ . اللخمي . وينوي الجنابة وإن نوى الوضوء أجزأه ، انتهى . وفي الجزولي الكبير في قول الرسالة : ثم يتوضأ وضوء الصلاة يؤخذ منه أنه ينوي رفع الحدث الأصغر ويجزئه وهو إنما ينوي رفع الجنابة فإن نوى به رفع الحدث الأصغر تجزئه ، وفيه خلاف المازري وقيل : لا يجزئه وهذا يؤخذ من قول الشيخ فيما يأتي ، وغسل الوضوء عن غسل محله ولو ناسيا لجنابته وما اقتصر عليه اللخمي وابن عرفة جعله الأقفهسي خلاف [ ص: 315 ] المشهور ونصه في قول الرسالة : ثم يتوضأ وضوء الصلاة ولو نوى بهذا الوضوء رفع الحدث الأصغر فالمشهور المعروف من المذهب عدم الإجزاء ; لأن الأكبر لا يندرج تحت الأصغر ; ولأن الطهارة الصغرى ساقطة عنه والحدث في الكبرى ثابت عليه والساقط لا يجزئ عن الثابت وقيل : يجزئ ; لأنه فرض ناب عن فرض نقله في التبصرة . ولو توضأ للحدث الأصغر ناسيا لجنابته ثم تذكر الجنابة لأجزأه غسل تلك الأعضاء عن غسل الجنابة فيكمل عليه بقية الغسل ، والقياس عدم الإجزاء وإن كان ناسيا ، انتهى . وكأنه غره كلام التوضيح وينبغي أن يفصل في ذلك فمن نوى الحدث الأصغر ذاكرا أنه محدث الحدث الأكبر إما أن يكون معتقدا أن نية الأصغر تجزئ عن الأكبر فهذا ينبغي أن يجزئه ، وإما أن يكون نوى رفع الأصغر فقط لا رفع الأكبر فهذه نية متدافعة فلا يجزئه فليتأمل ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال سند في أول كتاب الحج الأول : من نسي أن يتوضأ قبل غسل الجنابة توضأ بعده انتهى محررا من بابه .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قوله : كاملة ، يعني فيقدم غسل رجليه ولا يؤخره وهذا هو المشهور ، وقال في الرسالة : فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما إلى آخر غسله ثم يغسل رجليه آخر ذلك يجمع ذلك فيهما لتمام وضوئه وغسله إن كان آخر غسلهما . قال الشيخ زروق : قال بعض الشيوخ : لا يؤخر غسل رجليه في غسل الجمعة ; لأن الوضوء واجب والغسل تابع مندوب فيكون فاصلا وفيه بحث فتأمله انتهى .

                                                                                                                            وقال الشيخ يوسف بن عمر في قوله فإن شاء غسل رجليه فخير أبو محمد في غسل الرجلين ، واستحب الباجي تأخير غسلهما ليأتي بالغسل بين أعضاء الوضوء وهذا لتعارض الحديثين ; لأنه أتى حديث ميمونة بتفريق غسل رجليه وأتى حديث عائشة بكماله أولا ، ولم يدر المتأخر منهما من المتقدم فاختار ابن القاسم التفريق على حديث ميمونة واختار ابن حبيب وابن المواز تمامه أولا إلا أنهما اختلفا إذا فرق غسل رجليه عن وضوئه فقال ابن حبيب : يجزئه وقال ابن المواز : لا يجزئه ، وقيل : إن اغتسل في موضع طين فتأخيرهما أولى وإن اغتسل في موضع نقي فتقديمهما أولى ، وقوله : وإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخرهما يريد في الغسل الواجب ، وأما في الغسل المستحب فلا يجوز ; لأن ذلك يخل بالفور انتهى .

                                                                                                                            ص ( وأعلاه وميامنه )

                                                                                                                            ش : اعلم أن ظواهر نصوصهم تقتضي أن الأعلى بميامنه ومياسره مقدم على الأسفل بميامنه ومياسره وميامن كل من الأعلى والأسفل مقدم على مياسر كل ، بل صريح عبارة ابن جماعة في فرض العين في صفة الغسل ونصه ، وأما صفة الكمال فهو أن يجلس في موضع طاهر ثم يغسل يديه ثم يزيل الأذى إن كان عليه ثم ينوي رفع حدث الجنابة ثم يغسل السبيلين وما والاهما ، ثم يتوضأ وينوي بوضوئه رفع الحدث الأكبر فإذا أكمل وضوءه غمس يديه في الماء وخلل بهما شعر رأسه ثم يغرف عليه ثلاث غرفات حتى يوعب غسله ثم يضغثه بيديه ، ثم ينقل الماء إلى أذنيه يغسل ظاهرهما وباطنهما ثم ما تحت ذقنه وعنقه وعضديه ثم ما تحت إبطيه ويخلل عمق سرته بأصبعه ، ثم يفرغ الماء على ظهره ويجمع يديه خلفه في التدلك ثم يغسل الجانب الأيمن ثم الأيسر ثم ما تحت الركبتين ثم الساق اليمنى ثم الساق اليسرى ثم يغسل رجليه وإن استعان بإناء له أنبوب يفرع على جسده به فهو أبعد من السرف ، انتهى . وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة ويقدم أعاليه ويختم بصدره وبطنه قاله الغزالي ونقله ابن ناجي وهذا كله استحباب ، انتهى . وقال في شرح الإرشاد : وذكر بعضهم تأخير صدره عن ظهره انتهى .

                                                                                                                            ص ( وتثليث رأسه )

                                                                                                                            ش : قال في الرسالة : ثم يغمس يديه في الإناء قال الشيخ زروق إثر وضوئه وما قدم من أعضائه أو يفرغ عليهما الماء ويرفعهما من الإناء أو غيره غير قابض بهما شيئا من [ ص: 316 ] الماء فيخلل بهما أصول شعره ; ليأنس ببرد الماء فلا يتضرر ويقف الشعر فيدخل الماء عند الغسل لأصوله وسواء كانت عليه وفرة أم لا . قال الشيخ أبو عمران الجورائي : ويبدأ في ذلك من مؤخر الجمجمة ; لأنه يمنع من الزكام والنزلة وهو صحيح مجرب ثم يغرف بهما على رأسه ثلاث غرفات إثر تخليله والتثليث مستحب . ابن حبيب : لا أحب أن ينقص من الثلاث ولو عم بواحدة زاد الثانية والثالثة إذ كذلك فعل ، عليه الصلاة والسلام ولو اجتزأ بالواحدة أجزأته وإن لم تكف الثلاث زاد إلى الكفاية والله أعلم . عياض يفرق الثلاث على الرأس فلكل جانب واحدة والثالثة للوسط وقيل : الكل للكل وكل جائز ا هـ . قال ابن ناجي : أعلم أن للتخليل فائدتين فقهية وطبية : وهما سرعة إيصال الماء للبشرة ولتأنس رأسه بالماء فلا يتأذى لانقباضه على المسام ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( وقلة الماء بلا حد )

                                                                                                                            ش : هذا مكرر مع قوله في فضائل الوضوء : وقلة الماء بلا حد كالغسل ، والله تعالى أعلم . وفي البرزلي في مسائل الطهارة ومما رويناه عن النووي الإجماع على أنه لا يجوز السرف في الطهارة ولو كان على ضفة النهر وهو معنى ما في الرسالة والسرف منه غلو وبدعة وكل هذا في حق غير ذي الوسواس وأما الموسوس فهو شبيه بمن لا عقل له فيغتفر في حقه للابتداء به ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( ووضوءه لنوم )

                                                                                                                            ش : سواء كان ليلا أو نهارا قاله في المدونة ونصها : لا ينام الجنب في ليل أو نهار حتى يتوضأ جميع وضوئه وليس ذلك على الحائض انتهى . وقال أيضا في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وقال الشيخ زروق : قال ابن عرفة : وضوء الجنب لنومه . وسمع ابن القاسم : ولو نهارا ، وقال في العارضة : قال أبو يوسف : يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ . وقال مالك والشافعي : لا يجوز أن ينام حتى يتوضأ قال مالك : فإن فعل فليستغفر الله ، رواه عنه في المجموعة وقال بعض أشياخنا : لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه ، وقال ابن حبيب : ذلك واجب وجوب الفرائض ; لحديث عمر . والظاهر ذلك والله تعالى أعلم ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية