الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فيخرج ممسك أنفه ليغسل إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن قرب ويستدبر قبلة بلا عذر ويطأ نجسا ويتكلم ولو سهوا )

                                                                                                                            ش لما ذكر أن البناء مستحب ذكر كيفية ما يفعل فيه وشروطه فقال : فيخرج ممسك أنفه فالفاء للسببية يعني فإذا خرج يغسل الدم فيمسك أنفه لئلا يتطاير عليه الدم فيلطخ ثوبه أو جسده فتبطل صلاته قال ابن عبد السلام لما تكلم على شروط البناء ولم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب إلى ما يزيده غير واحد هنا من قولهم يخرج ممسكا لأنفه لأن ذلك محض إرشاد إلى ما يعينه على تقليل النجاسة لأن كثرتها تمنع من البناء لا أن ذلك شرط في صحة البناء حتى لو لم يفعله لبطلت صلاته انتهى .

                                                                                                                            وانظر ما قاله ابن عبد السلام مع قوله في الذخيرة وإذا خرج فله شروط ستة أن يمسك أنفه ثم ذكر بقيتها فجعل ذلك شرطا ، وأكثر أهل المذهب يذكر مسك أنفه في صفة الخروج من غير تعرض لاشتراط ذلك ولا لعدمه والظاهر ما قاله ابن عبد السلام ويحمل كلام الذخيرة على أن الشرط التحفظ من النجاسة فإذا تحفظ منها ولم يمسك أنفه لم يضره ذلك فتأمله .

                                                                                                                            [ ص: 479 ] تنبيهان الأول ) انظر قول ابن عبد السلام لم يتعرض المصنف إلخ مع أن ابن الحاجب قال : وكيفيته أن يخرج ممسكا لأنفه إلا أن يريد أنه لم يتعرض لبيان أنه شرط فتأمله ، ( الثاني ) قال ابن عبد السلام : اشترط بعض أهل العصر أن يمسك أنفه من أعلاه لأن إمساكه كذلك يحتقن الدم بسببه في العروق ولا أثر له هناك في مانعية الصلاة وإذا أمسكه من أسفله بقي الدم في داخل الأنف وحكمه حكم الظاهر على سطح الجسد فيكون فاعله حاملا للنجاسة اختيارا وفيه تكلف ، والموضع محل ضرورة مناسب للتخفيف انتهى ، ونسب المصنف الاشتراط لابن هارون فقال : واشترط ابن هارون أن يمسك أنفه من أعلاه لأنه إذا أمسكه من أسفله بقي الدم في داخل الأنف وحكمه حكم الظاهر على سطح الجسد قال ابن عبد السلام : فيه نظر والمحل محل ضرورة انتهى ، وهكذا عزاه ابن ناجي في شرح المدونة لابن هارون قال وعبر عنه ابن عبد السلام ببعض المعاصرين ومرضه بقوله : وفيه تكلف قلت والذي ذكره ابن فرحون وصاحب الجمع عن ابن هارون أنه ذكر ذلك عن بعضهم ولم يذكرا عنه أنه قاله من عنده ولا أنه صرح باشتراط ذلك بل قال ابن هارون عن بعضهم : أنه يمسك أعلاه والذي قاله ابن عبد السلام من التخفيف ظاهر لا شك فيه وقد خففوا في الحالة الأولى اختضاب الأنامل العليا ومن لازم ذلك اختضاب باطن الأنف وقالوا إنه لا يجوز القطع مع ذلك فكيف باختضاب الأنف الذي هو محل خروج الدم بل لا بد وأن يكون المحل كله قد تلوث بالنجاسة فتأمله .

                                                                                                                            وهذا فيما يتعلق بالرعاف وأما ما استفيد من هذا الكلام وهو كون داخل الأنف حكمه حكم ظاهر الجسد في إزالة النجاسة فقد قبله ابن هارون وابن عبد السلام والمصنف وغيرهم وهو ظاهر والله أعلم .

                                                                                                                            وقول المصنف ليغسل بيان لما يفعله إذا خرج وقوله إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن هو الشرط الأول من شروطه وهو أن لا يجاوز أقرب مكان يمكنه غسل الدم فيه فإن تعدى الأقرب إلى غيره بطلت صلاته قال في المقدمات باتفاق وذلك لأنه أتى في الصلاة بزيادة مستغنى عنها قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح : هكذا قالوا ولم يفصلوا بين الزيادة الكثيرة والقليلة انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن عبد السلام وقال بعده : وتبريه لا معنى له لأن خروجه وغسل الدم وبناءه رخصة فإذا انضاف إلى ذلك أمر مستغنى عنه كثر المنافي فتبطل بخلاف غيره انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن فرحون : قال بعض الشراح وفي شرح الجلاب وأظنه اللباب أن في الزيادة اليسيرة قولين انتهى وكأنه يشير إلى صاحب الجمع فإنه ذكر ذلك وظاهر كلام غير واحد أنه لا فرق بين اليسيرة والكثيرة ولذلك أطلق المصنف وقال البساطي ( فإن قلت ) قد يكون ذلك قريبا جدا بحيث إنه لو فعل مثله في الصلاة لم يضر كالتقدم إلى فرجة قلت : التقدم إلى فرجة منفرد وهذا منضم إليه هذه الأفعال التي الأصل أن لا تصح الصلاة معها انتهى قلت وهو نحو ما تقدم عن ابن ناجي وينبغي أنه لا يختلف في أن مجاوزته بنحو الخطوتين والثلاث لا تضر فتأمله .

                                                                                                                            وقوله ممكن يعني به أن مجاوزة الأقرب إنما تضر إذا كان يمكنه الغسل فيه وأما إذا لم يمكنه الغسل فيه فلا تضر مجاوزته في البناء والمراد بالممكن ما يمكنه الوصول إليه قاله ابن راشد ونقله ابن فرحون ونحوه للباجي في المنتقى ( فرع ) فإن وجد الماء في موضع بشراء وطلب منه الثمن المعتاد في ذلك الموضع وكان قادرا عليه وغير محتاج إليه وتجاوزه إلى غيره فالظاهر أن ذلك يبطل صلاته ولم أره منصوصا وأما لو لم يجد الثمن أو كان محتاجا إليه أو طلب منه أكثر من الثمن المعتاد فله المجاوزة إلى غيره فيما يظهر والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) ويجوز له أن يشتري الماء في الصلاة بالإشارة والمعاطاة وقد نص ابن فرحون في الألغاز في مسائل البيوع على أنه يجوز له عقد البيع في الصلاة إذا كانت بإشارة خفيفة [ ص: 480 ] ومعاطاة قال : ويفهم ذلك من قول ابن الحاجب في باب السهو والفعل القليل جدا مغتفر وإن كان بإشارة لسلام أو رده أو لحاجة على المشهور انتهى قلت وهذا في عقد البيع لغير ضرورة فكيف بهذه الضرورة المتعلقة بتصحيح الصلاة ، وقوله قرب هذا هو الشرط الثاني من شروط البناء وهو أن يكون المكان الذي يغسل الدم فيه قريبا فإن كان بعيدا بطلت الصلاة ، ( فإن قلت ) ما فائدة هذا الشرط مع قوله إن لم يجاوز أقرب مكان قلت لأن قوله أقرب مكان يصدق مع بعد المكان إذا لم يمكنه الغسل إلا فيه أقرب بالنسبة إلى غيره وإن كان في نفسه بعيدا وهذا ظاهر بالنسبة إلى المتعارف لأن البعد والقرب من الأمور النسبية فيقال : هذا المكان أقرب من هذا المكان وإن كان بعيدا في نفسه وقال البساطي ( فإن قلت ) فما فائدة قوله قرب بعد قوله أقرب قلت أظن والله أعلم أن أقرب يصدق على ما إذا بعد المكان إلا أن أحدهما أقرب من الآخر قلت وكلامه يقتضي أن ذلك لا يصدق مع بعد المكان وهو مبني على أن أقرب صيغة تفضيل وهو يقتضي المشاركة في أصل المعنى فلا بد أن يشترط المكانان في القرب وما ذكرناه جار على عرف الاستعمال كما ذكرنا والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) شرط المصنف أن يكون المكان قريبا والذي في كلام غيره إلا أن يكون المكان بعيدا جدا وبينهما فرق قال اللخمي ويطلب الماء ما لم يبعد جدا وقال في الطراز قال ابن حبيب ويطلب الماء ما لم يبعد جدا انتهى ولم يذكر خلافه وقال في المقدمات لما تكلم على البناء ومعناه ما لم يتفاحش بعد الموضع الذي يغسل فيه انتهى ، وقال في الذخيرة في شروط البناء وأن لا يبعد المكان جدا وقال في التوضيح قوله إلى أقرب المياه قالوا : ما لم يتفاحش بعد موضع الغسل فيجب القطع وقد يفهم ذلك من قوله أقرب زاد ابن فرحون لأنه يدل إلى أن ثم قريبا وغيره أقرب انتهى ، وكان هذا الذي حمل المصنف على قوله أقرب والظاهر ما تقدم وأن الصلاة لا تبطل إلا إذا تفاحش بعد المكان كما تقدم النص عليه في كلام أهل المذهب ويتعين حمل كلام المصنف على ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            وقال ابن ناجي في شرح المدونة ابن يونس عن ابن حبيب وليطلب الراعف الماء إلى أقرب موضع يمكنه إذا لم يتفاحش البعد جدا فإذا وجده في مكان فجاوزه إلى غيره فذلك قطع لصلاته قال ابن ناجي قلت تبرأ ابن هارون من المسألة الأولى بقوله قالوا : إن تفاحش وجب القطع وكأنه رأى أن البناء رخصة وذلك يؤذن بالطلب وإن تفاحش انتهى قلت لا ينبغي أن يحمل كلام ابن هارون على البناء ولو تفاحش البعد فإنه مخالف لنصوص المذهب وأيضا فوجه البطلان ظاهر وهو كثرة المنافي فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) إذا رعف المتيمم في الصلاة ووجد ما يغسل به الدم فإنه يغسله ويبني ولا يبطل تيممه لأنه دخل في الصلاة بشروطها فلا يبطلها طرو الماء قاله صاحب الجمع في آخر الكلام على الرعاف والله أعلم وقال في الطراز من افتتح الصلاة بالتيمم ثم صب المطر أو جاء الماء بعد ذلك لم يبطل تيممه فإن رعف غسل الدم ولم تبطل صلاته فإن كان ممن يرجح قطع الصلاة بالرعاف فلما قطع كان ما وجده من الماء بقدر ما غسل الدم فقط فهل يبطل تيممه أم لا وهو مذهب الشافعي وذلك لأمرين أحدهما أنه لما اشتغل بطهارة النجس قطع اتصال تيممه بالصلاة والثاني أنه لما وجد الماء اليسير وجب عليه أن يبحث عنه وعن سببه فلعله يقدر على زيادة ووجوب الطلب يبطل تيممه حتى يتحقق عدم الماء وقوله ويستدبر قبلة بلا عذر هذا هو الشرط الثالث وهو أن لا يستدبر القبلة من غير عذر فإن استدبرها من غير عذر بطلت صلاته قال اللخمي : وإذا استدبر الراعف القبلة لطلبه الماء لم تبطل صلاته وقال في الطراز إن أمكنه طلب الماء وهو مستقبل القبلة فلا يستدبرها وإن استدبرها للضرورة فلا شيء عليه [ ص: 481 ] انتهى وقال في الذخيرة ولا يشترط استقبال القبلة قاله اللخمي وصاحب الطراز انتهى ويريد إذا كان ذلك لضرورة كما قالوا ونحوه قول ابن ناجي في شرح المدونة ظاهر كلام المدونة أنه لا يشترط في غسل الدم للبناء أن يكون مسيره لجهة القبلة وهو كذلك انتهى وقد علم من كلامهم أن الضرورة هو كون الماء في غير جهة القبلة وهو القدر الذي أراده المصنف بقوله بلا عذر وقال ابن غازي قوله ويستدبر قبلة بلا عذر كذا صرح به ابن العربي وهو المفهوم من كلام اللخمي وسند .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ظاهر كلام ابن غازي أن ما قاله ابن العربي موافق لكلام المصنف والذي نقله ابن فرحون وصاحب الجمع عنه خلاف ذلك قال ابن فرحون المعروف من المذهب أنه يخرج كيفما أمكنه سواء استدبر القبلة في خروجه أو لا إلا أنه يستحب له المحافظة على استقبال القبلة ما أمكنه قاله القاضي عبد الوهاب وقال القاضي أبو بكر لا يخرج إلا بشرط أن لا يستدبر القبلة وهو قول بعيد لم يعول عليه أحد من الشيوخ لعدم تمكنه من ذلك غالبا ونحوه لصاحب الجمع وزاد في آخره فلا يلتفت إليه ( الثاني ) ما ذكره ابن فرحون وصاحب الجمع أوله موافق لكلام المصنف وما تقدم وقوله إلا أنه يستحب له مخالف له فتأمله .

                                                                                                                            وقال الشبيبي في شرح الرسالة بعد أن ذكر كلام اللخمي وخالفه غيره في ذلك وقال بالبطلان ( الثالث ) إذا وجد ماء قريبا لكنه يستدبر القبلة إذا خرج إليه وفي جهة القبلة ماء أبعد منه فهل يذهب إلى الماء القريب وإن استدبر القبلة أو يذهب إلى الأبعد ولا يستدبر القبلة لم أر فيه نصا والذي أراه أن يذهب إلى المكان القريب وإن استدبر القبلة لأن ترك الاستقبال أخف من كثرة الأفعال المنافية للصلاة فتأمله .

                                                                                                                            وقوله ويطأ نجاسة هذا هو الشرط الرابع وهو أن لا يطأ في مشيه على نجاسة وظاهره مطلقا سواء كانت رطبة أو يابسة وسواء كانت من أرواث الدواب وأبوالها أو من غير ذلك وسواء وطئها عمدا أو سهوا وقريب منه قول ابن الحاجب غير متكلم ولا ماش على نجاسة فإن تكلم أو مشى على نجاسة فثالثها يبطل في المضي لا في العود إليها ورابعها عكسه ( ولنذكر نصوص المذهب ) قال في المقدمات إن وطئ على نجاسة رطبة انتقضت صلاته باتفاق ثم قال : واختلف إن مشى على قشب يابس فقال ابن سحنون تنتقض صلاته وقال ابن عبدوس لا تنتقض وأما مشيه في الطريق لغسل الدم وفيها أرواث الدواب وأبوالها فلا تنتقض بذلك صلاته لأنه مضطر إلى المشي في الطريق لغسل الدم كما يضطر للصلاة فيها وليس بمضطر إلى المشي على القشب قاله ابن حارث انتهى .

                                                                                                                            قال وصاحب الجمع قالوا : إن مشى على نجاسة وكانت رطبة بطلت باتفاق أي عذرة وما في معناها ثم ذكر الخلاف في القشب اليابس ثم قال : وهو عندي إذا مشى عليها غير عالم بها وأما إذا تعمد المشي عليها بطلت صلاته بلا خلاف انتهى . وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب : إن كانت العذرة رطبة فظاهر المذهب الاتفاق على البطلان ولذلك قال ابن غلاب النجاسة الرطبة متفق على إبطالها والظاهر أن مراده العذرة الرطبة لأنه قال : وأرواث الدواب وأبوالها لا تبطل وقد علم أن البول رطب ، قال : وأما عدم البطلان في زبل الدواب وأبوالها فمعلل بضرورة المشي عليها لكثرتها في الطرقات وللاختلاف أيضا في نجاستها وأما الدم الزائد على القدر المعفو عنه وزبل الكلاب وما في معنى ذلك من النجاسات فغير مغتفر ثم قال : ( تنبيهان الأول ) أطلق المؤلف القول في النجاسة من غير تفصيل ولا بد من رد ذلك الإطلاق إلى ما ذكرناه ، ( الثاني ) كلام المصنف يقتضي أن الخلاف الذي في الكلام يجري في المشي على النجاسة قال في التوضيح ولم أر في مسألة النجاسة إلا القولين يريد في القشب اليابس وكلام المصنف [ ص: 482 ] موافق لابن شاس وابن عطاء الله فانظر نصوص المتقدمين انتهى . وقال صاحب الجمع قال ابن راشد وأما مشيه على أرواث الدواب وأبوالها في الطريق ومباشرته لغسل الدم فمغتفر قاله ابن حارث انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) تحصل من هذا أن مشيه على أرواث الدواب وأبوالها غير مبطل كما تقدم التصريح به في كلام أهل المذهب . وظاهر كلامهم أن ذلك لا يبطل ولو كانت رطبة كما يفهم ذلك من كلام ابن رشد ومن كلام صاحب الجمع وهو صريح كلام ابن فرحون وقاله الجزولي في شرح الرسالة فإنه قال لا خلاف فيما إذا مشى على نجاسة رطبة أنه لا يبنى واختلف فيما إذا مشى على نجاسة يابسة وذكر الخلاف ثم قال : والنجاسة المرادة هي العذرة وأما أرواث الدواب وأبوالها فيبنى إذا مشى عليها مطلقا للضرورة ; لأن الطريق لا تخلو منها وللخلاف فيها ولذلك راعاه مالك وقال من وطئ بخفيه أو نعليه على أرواث الدواب الرطبة وأبوالها وصلى بها المسألة يشير إلى مسألة الخف المتقدمة في باب المعفوات قلت وينبغي أن يقيد بما إذا وطئها ناسيا أو مضطرا لذلك لعمومها وانتشارها في الطريق وأما إن وطئها عامدا من غير عذر لسعة الطريق وعدم عمومها وإمكان عدوله عنها فينبغي أن تبطل صلاته لانتفاء العلة التي هي الضرورة ( الثاني ) مباشرته لغسل الدم من أنفه مغتفر أيضا كما تقدم في كلام صاحب الجمع وأما غيرها من النجاسات كالعذرة والبول والدم وزبل الكلاب والدجاج التي تأكل النجسات وغير ذلك فإن كانت رطبة بطلت صلاته باتفاق وكذا إن كانت يابسة ووطئها عامدا كما ذكره صاحب الجمع وإن كانت يابسة ووطئها سهوا ففيها الخلاف حكى المتقدمون فيها قولين بالبطلان وعدمه فظاهر كلام المصنف أنه مشى على البطلان وهو القياس لأن مباشرة النجاسة في الصلاة مبطل سواء كان عمدا أو سهوا إذا علم بذلك المصلى في صلاته وحكى ابن الحاجب في ذلك أربعة أقوال كما تقدم وقال في التوضيح ولم أر منصوصا في مسألة النجاسة إلا هذين القولين وكلام المصنف يعني ابن الحاجب يدل على أن الكلام والمشي على النجاسة مستويان وهو مقتضى كلام ابن شاس وابن عطاء الله انتهى وذكر ابن عرفة القولين ثم قال : قال ابن بشير مشيه على نجاسة مثل كلامه في أقواله ولم يعترض عليه ولا على ابن الحاجب والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) ينبغي أن يقيد هذا بما إذا علم قبل كمال الصلاة أنه وطئ نجاسة سهوا وأما إن لم يعلم بذلك إلا بعد الصلاة فإنه يعيد في الوقت وهذا ظاهر ( الرابع ) القشب بفتح القاف وسكون الشين المعجمة العذرة اليابسة هكذا قال في التنبيهات وفسره بعضهم بأرواث الدواب وأبوالها وليس بصحيح والله أعلم .

                                                                                                                            ( الخامس ) إذا علم هذا فيحمل كلام المصنف على عمومه لكن يستثنى منه أرواث الدواب وأبوالها وقد استثناها في الشامل وقوله ويتكلم ولو سهوا هذا هو الشرط الخامس وهو أن لا يتكلم فإن تكلم عامدا أو جاهلا بطلت صلاته باتفاق قاله في المقدمات فإن تكلم ساهيا فحكى في المقدمات فيه قولين قال ابن حبيب لا يبني لأن السنة إنما جاءت في بناء الراعف ما لم يتكلم ولم يخص ناسيا من متعمد وحكى ابن سحنون عن أبيه أنه يبني ويسجد لسهوه إلا أن يكون كلامه والإمام لم يفرغ من صلاته فإنه يحمله عنه قلت وهذا الحكم جار على حكم الكلام في الصلاة في غير الراعف والأول قصر الرخصة على محل ورودها وأيضا إذا حصل الكلام كثرت الأفعال المنافية للصلاة ووجه صاحب الطراز هذا القول بأن لما كانت منافية لحال المصلين ولم يبق معه من صفات المصلين إلا ترك الكلام فقط فإذا انخرم هذا الوصف انسلبت عنه سائر صفات المصلين وخرج من حكم الصلاة انتهى وحكى ابن يونس ثالثا عن ابن الماجشون أنه إن تكلم في ذهابه أبطل وإن تكلم في رجوعه للصلاة لم تبطل قال [ ص: 483 ] ابن يونس : قال بعض أصحابنا لأنه إذا تكلم راجعا فهو في عمل الصلاة فأشبه كلامه سهوا في إضعاف الصلاة وإذا تكلم في انصرافه فإنما هو مشتغل بغسل الدم وهذا ليس بقوي لأن حكم الصلاة عليه قائم سواء تكلم في سيره أو في رجوعه انتهى .

                                                                                                                            قال في التوضيح وحكى ابن بشير وابن شاس رابعا عكس الثالث أنه إن تكلم في مسيره لم تبطل وإن تكلم في عودته بطلت ولم يعزواه انتهى .

                                                                                                                            قلت عزوه لابن بشير سهوا وإنما ذكره ابن شاس وله عزاه ابن عرفة واعترضه فقال : ونقل ابن شاس الثالث معكوسا خلاف ما تقدم وقال ابن ناجي في شرح المدونة : قول خليل حكاه ابن بشير وهم لا شك فيه ولم يذكره ابن شاس على أنه رابع بل قال : فإن تكلم ساهيا ففي البطلان ثلاثة أقوال ولذلك قوى الظن بأنه وهم في النقل وكذلك جزم صاحب الجمع بأنه وهم في ذلك وأنه أراد نقل الأقوال الثلاثة التي حكاها ابن بشير فوهم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) نسب صاحب الطراز القول بالبطلان بالكلام سهوا مطلقا لابن الماجشون ونسب القول بالتفصيل بين أن يكون في الذهاب أو في الرجوع لابن حبيب عكس ما تقدم فلعل لكل واحد قولين أو وقع ذلك منه سهوا واقتصر المصنف على القول بالبطلان ولو كان الكلام سهوا لأنه موافق لظاهر المدونة قال في كتاب الصلاة الثاني من المدونة في كتاب الاستخلاف : وإن قال : يا فلان تقدم فإن كان راعفا فقد أفسد على نفسه ولا يبني انتهى . فظاهره سواء قال ذلك عمدا أو سهوا لكن قوة الكلام تدل على أن المراد أنه قال ذلك عمدا وقال ابن يونس في باب الرعاف قال في كتاب الصلاة : وإن رعف الإمام فلما خرج تكلم بطلت صلاته قال ابن الماجشون : تكلم سهوا أو عمدا ابن يونس يريد للحديث أنه يبني ما لم يتكلم فهو على عمومه وقال البساطي : لا يظهر لقوله ولو سهوا معنى لأن هذه شروط عدمية مجموعها ملزوم الصحة وضد أحدها ملزوم لضد الصحة والمبالغة إنما تكون في هذا فتأمله قلت بل الذي يظهر أن لذلك فائدة وهي أنه لما شرط في البناء عدم الكلام بالغ في ذلك فقال : ولو كان الكلام سهوا فإنه يشترط عدمه فتأمله .

                                                                                                                            ( الثاني ) لو تكلم عمدا لإصلاح الصلاة فهل يبطل ذلك صلاته ويمنع البناء أم لا ؟ لم أر فيه نصا والظاهر أنه لا تبطل الصلاة فتأمله .

                                                                                                                            ( الثالث ) اختلف في المأموم إذا انصرف لغسل الدم هل يخرج من حكم الإمام أم لا ؟ على أربعة أقوال حكاها صاحب المقدمات وغيره : ( أحدها ) أنه يخرج من حكمه حتى يرجع إليه جملة من غير تفصيل ، ( الثاني ) أنه لا يخرج من حكمه جملة من غير تفصيل ، ( الثالث ) إن رعف قبل أن يعقد معه ركعة خرج من حكمه حتى يرجع إليه وإن لم يعقد معه ركعة لم يخرج من حكمه ، ( الرابع ) النظر إلى ما آل إليه أمره فإن أدرك ركعة من صلاة الإمام بعد رجوعه كان في حكمه حال خروجه عنه وإن لم يدرك معه ركعة حين خروجه لم يكن في حكمه في حال خروجه قال في المقدمات فمن رأى أنه يخرج من حكمه حتى يرجع يقول : إن أفسد الإمام صلاته متعمدا قبل أن يرجع لم تفسد عليه وإن تكلم سهوا سجد بعد السلام ولم يحمل عنه ذلك الإمام خلاف أصل ابن حبيب الذي يرى أن ذلك يبطل عليه البناء وإن ظن الإمام قد أتم صلاته فأتم صلاته في موضعه ثم تبين له أنه لو مضى لأدرك الإمام في الصلاة أجزأته صلاته وإن سها الإمام لم يلزمه سهوه ومن رأى أنه لا يخرج من حكمه يقول : إن أفسد الإمام صلاته متعمدا فسدت عليه هو صلاته وإن أتم صلاته في موضعه ثم تبين أنه لو مضى لأدرك الإمام في الصلاة لم تجزه صلاته وإن سها الإمام لزمه سهوه وإن تكلم ساهيا حمله عنه الإمام خلاف أصل ابن حبيب المذكور وإن قرأ الإمام بسجدة فسجدها فرجع هو بعد سلام الإمام كان عليه أن يقرأها ويسجدها قاله ابن المواز على قياس هذا القول انتهى .

                                                                                                                            والثلاثة الأقوال الأول تؤخذ من [ ص: 484 ] كلام ابن يونس كما حصلها ابن ناجي من كلامه في شرح المدونة قلت والجاري على المشهور هو القول الأول لأنه سيأتي أنه إذا فرغ الإمام أتم مكانه وصحت صلاته وإن تبين خطؤه وصوب ابن يونس بطلان صلاته إذا بطلت صلاة الإمام فتأمله .

                                                                                                                            ص ( إن كان بجماعة واستخلف الإمام وفي بناء الفذ خلاف )

                                                                                                                            ش هذا هو الشرط السادس من شروط البناء ولما كان مخالفا لما قبله لأنه وجودي وما قبله عدمي فصله عما قبله وكرر أداة الشرط للتفصيل الذي فيه والمعنى أن الراعف يبني إذا كان في جماعة سواء كان إماما أو مأموما غير أنه إن كان إماما فإنه يؤمر بالاستخلاف استحبابا كما سيصرح به المصنف في فصل الاستخلاف فإن لم يستخلف استخلفوا لأنفسهم وصلوا وحدانا وأما إن كان فذا ففي بنائه خلاف أي قولان مشهوران أن أحدهما يبني كما يبني الذي في جماعة والآخر أنه لا يبني قال صاحب الطراز : اتفق أصحابنا على أن المأموم يبني في الرعاف وكذلك الإمام لأنه واحد من الجماعة كالمأموم فالذي صح له من صلاة الجماعة به حاجة إلى حفظه بإكمال الصلاة كالمأموم واختلفوا في الفذ فأجاز مالك في العتبية أن يبني وقاله محمد بن محمد ومنعه ابن حبيب والأول أبين لأن ما يمنع البناء وما لا يمنعه لا يختلف فيه الفذ وغيره كالسلام من اثنتين فيما طال وفيما قصر ولأنه قد عمل شيئا من الصلاة فلا يبطله بغير تفريط منه ولأنه قد حاز فضيلة أول الوقت بذلك القدر فلا يفوت ذلك عليه كفضيلة الجماعة انتهى .

                                                                                                                            وقال في المقدمات قال بالبناء مالك وجميع أصحابه في الإمام والمأموم واختلفوا في الفذ فذهب ابن حبيب إلى أنه لا يبني لأن البناء إنما هو ليحوز فضل الجماعة وقال ابن مسلمة : يبني ومثله لمالك في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ وظاهر المدونة أن الفذ يبني على ما قاله ابن لبابة انتهى .

                                                                                                                            وكذلك قال ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب إن ظاهر المدونة وإن الفذ يبني قال في التوضيح ولذلك قال ابن بزيزة : إن مذهب المدونة بناء الفذ قال المصنف ولا شك في أخذ بناء المأموم من المدونة وفي أخذ بناء الفذ والإمام منها نظر وفي كل منهما قولان منصوصان وحكى الباجي أن المشهور في الفذ عدم البناء انتهى وإلى تشهير الباجي وما قاله الجماعة المتقدمون إنه مذهب المدونة أشار بالخلاف ( تنبيه ) ما ذكره المصنف في التوضيح أن في بناء الإمام قولين ذكرهما ابن فرحون وصاحب الجمع وغيرهما هو خلاف ما ذكره صاحب المقدمات وصاحب الطراز من اتفاق مالك وجميع أصحابه على بناء الإمام ونحوه للخمي فإنه لم يحك في بناء الإمام والمأموم خلاف ثم قال واختلف في الفذ وذكر الخلاف ثم قال : والأول أرجح يعني القول بجواز بنائه قال وليس البناء لفضل الجماعة فتحصل في بناء الإمام طريقان أحدهما له البناء باتفاق والأخرى فيه قولان أرجحهما جواز الاستخلاف

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية